في البداية يجب ان نوضح لكم في مقدمة بسيطة ما هي المضادات الحيوية, وكيف تم اكتشافها, ومم تصنع, ونتعرف على تعاقب اجيالها منذ عهد باستير اثناء الحرب العالمية الاولي وحتى الان, بذلك سيسهل علينا ان نستوعب ما سيأتي في باقي المقال ونستطيع فهمه واستيعابه جيدا, وتقدير اهميته بشكل واقعي وحقيقي.
المضادات الحيوية
المضادات الحيوية هي مواد كيميائية طبيعية تنتجها بعض انواع البكتيريا والفطريات في اجسامها لتدعم مناعتها الذاتية, اول من اكتشفها واستخرجها وصنع منها اول المضادات الحيوية هو العالم الفرنسي لويس باستير وكان ذلك على عجلة وتحت ضغوط رهيبة على العلماء في دول الحلفاء في اوروبا والولايات المتحدة لمجابهة الامراض الخطيرة التي تحدث بالمضاعفات الخطيرة لجروح المصابين في الحرب العالمية الاولي وقتها في الاعوام 1914-1918 ميلادية. حتى هذا الوقت كان الاف من البشر يموتون بعدوي اي بكتيريا عادية بسبب عدم وجود علاج مناسب يقضي على الميكروب ,وبالتالي تتضاعف الاصابة وتسيطر البكتيريا الضارة على الجسم وتردي الانسان ميتا بعد معاناة مع المرض. اكتشف باستير اول مضاد حيوي داخل خلية بكتيرية بسيطة واعلن عنه في دوريات النشر وكان هو الاسم الاشهر لاول مضاد حيوي في العالم “البنسلين”. وهو الجيل الاول للمضادات الحيوية ومازال يستخدم بنجاح حتى الان ولاغني عنه حتى بعد تطور المضادات الحيوية وتوافر اجيال احدث اقوي واسرع تأثيرا. ومازال البنسلين هو المضاد الحيوي الاول لحماية صمامات القلب وسلامته في حالة اصابة الصغار والكبار بحالات الحمي الروماتيزمية التي تتسبب فيها البكتيريا الحلزونية والحلقية التي تصيب اللوزتين والحلق.
وحتى نعرف كيف تصنع وتستخلص شركات الدواء العالمية المضادات الحيوية الحديثة فهي صناعة تكنولوجية عملاقة ولكنها تعتمد بشكل اساسي على تكاثر خلايا البكتيريا التي بداخلها هذه المضادات الحيوية وبالتالي تتضاعف الكمية ثم يتم استخلاصها بطرق كيميائية خاصة في معامل معقمة ومجهزة ثم يتم التعامل مع المادة المستخلصة بتركيزها أو اضافة مواد اخري لها تزيد من فاعليتها وتقلل من اثارها الجانبية. وبخصوص تطور صناعة وانتاج المضادات الحيوية فقد تقدمت صناعة المضادات الحيوية بشكل كبير وصولا للعام 2003 ميلادية وهو العام الذي شهد انتاج اخر جيل من اجيال المضادات الحيوية حتى الان.
اجيال المضادات الحيوية عديدة تصل الى 6 اجيال رئيسية شهدتها سوق الدواء العالمي. بدأت مع البنسلين ثم تلاها اجيال الروفاميسين, والسيبروفلوكساسين والاوفلوكساسين, والتافلوكسين وغيرهم. بالاضافة الى بعض المنتجات الدوائية التي تتكون من مضاديين حيويين ليحدثوا تأثير اقوي ويغطوا بتأثيرهم عدد من الميكروبات البكتيرية وليس نوع واحد. ومنذ الثمانينات خرج للنور نوعية مضادات حيوية واسعة المجال أو واسعة المفعول وهي التي تستطيع مقاومة اعداد كبيرة من البكتيريا المسببة للمرض, وبعد هذه المجموعة اصبح هناك نوعية مضادات حيوية ممتدة المفعول Sustend release وهي مضادات تحافظ على الوصول لموضع الاصابة والالتهاب داخل الجسم بتركيز شديد وبالتالي تحقق فعالية اقوي وتأثير اسرع. واخر المعلومات الهامة قبل طرح الموضوع ان للبكتيريا الضارة التي تصيب الانسان اي كان نوعها قدرة محددة تعرف وتقدر في معامل البحث العلمي تعرف بنسبة المقاومة او نسبة رفض المضاد ومقاومته. هي نسبة لا تتعدي مع المضادات الحيوية الحديثة نسبة 2% وتزيد طبعا مع المضادات الحيوية من الاجيال الاولي ولذلك فأفضلية المضادات الحديثة اكثر ولذلك يحرص الاطباء على وصفها لمرضاهم. اما لماذا وكيف تقاوم البكتيريا المضاد الحيوي فهذه خاصية لاغلب انواع البكتيريا وهي انها تستطيع مع التعرض للمضاد الحيوي ان تتعرف عليه وتغير من تركيب الخلية وتفرز مواد معينة وتتركز هذه المواد على مراكز استقبال على سطح الخلية بحيث تخدع المضاد الحيوي فلا تتأثر البكتيريا وبالتالي تتحقق الممانعة لتأثير المضاد الحيوي.
ولأن مقاومة انواع البكتيريا لانواع المضادات الحيوية تزيد بمرور الوقت وتكرار الاصابة , ولأن البحث العلمي لاكتشاف مضادات حيوية احدث واجيال اقوي جديدة وتوقف الانتاج الحديث منذ 2003 م فهذا ينذر بخطر فظيع وهو اننا لو استمرينا على حالنا هذا فبعد حوالي 20 عاما ستفقد المضادات الحيوية الحالية تأثيرها وفعاليتها وتزداد مقاومة البكتيريا لها. ولهذا رصدت القوي الغربية وخاصة بريطانيا مبالغ ضخمة لاجراء بحوث دوائية حديثة لانتاج مضادات حيوية اقوي واعظم تأثيرا ومن هذه المحاولات اتينا اليكم بواحدة من اجمل التجارب والمحاولات التي ينتظرها امال عريضة ونتائجها الاولية مبشرة.
ابحاث لاكتشاف وانتاج مضادات حيوية من اعماق المحيطات
رصدت الحكومة البريطانية لهذه الابحاث الطموحة حوالي ثمانية ملايين جنيه استرليني (حوالي 10 مليون دولار امريكي) . البحث عبارة عن محاولة استكشاف اعمق اعماق المحيط الهادئ والبحث في استخراج مواد حيوية من اجسام الكائنات الحية التي تعيش في هذه الاعماق ولم يجر البحث عليها قبل ذلك ولم تنال من البحث قدرا كبيرا ولا اهتماما من جانب العلماء لعدم تفكيرهم في ذلك من ناحية ولأن الوصول لهذه الاعماق كان غير متاحا حتى وقت قريب .جمعت الفرق البحثية عينات قليلة من داخل كهوف عميقة ووديان ضيقة فى عمق المحيط، ووصلوا بأجهزتهم حتى عمق يصل إلى 6.8 ميل تقريبا.ويعمل فريق البحث الذى يقوده علماء وباحثون على اعلى مستوي من جامعة Aperdin البريطانية على الوصول إلى المواد الكيميائية التى لم تكتشف بعد ضمن صنوف الكائنات الحية الموجودة في هذه الاعماق وخاصة تلك التي تختبئ داخل الخنادق البحرية فى أعماق المحيطات.وكل ما يأمل فيه هذا الفريق أن يتوصلوا إلى اكتشاف وانتاج جيل جديد قوي من المضادات الحيوية المقاومة للعدوى.
ويعتمد فريق البحث العلمي الذي يشترك فيه بالاضافة الى علماء انجليز علماء من عدة جامعات اوروبية وامريكية تتعاون مع هيئة الصحة البريطانية في التمويل والبحث على استخدام قوارب صيد مجهزة بأحدث الاجهزة ليسهل نقل المعدات التى تقوم بجمع عينات الرواسب وبعض الكائنات الحية من قاع المحيط.وبعد ذلك يقوم الباحثون باستخراج أنواع معينة من البكتيريا والفطريات من تلك الرواسب التى يتم تحليلها وتنقيتها ثم يقومون بعملية استخراج المضادات الحيوية منها.
ولتحقيق بحث كامل ومحاولة تحقيق افضل نتيجة تقوم بعض فرق البحث في البحث ناحية شرق المحيط الهادئ على بعد 100 ميل من شواطئ تشيلى وبيرو، ويبدأ البحث في فصل الخريف للبحث فى الخنادق البحرية العميقة القريبة من سواحل نيوزيلاندا ومنطقة القطب الجنوبى، كما تشمل عمليات البحث أيضا مياه منطقة القطب الشمالي قريبا من النرويج.
وعن النتائج التي يتوقعها العلماء بخصوص هذه الابحاث يتوقع كبير العلماء المسئولين عن هذا البحث أن يعمل العلماء على بحث العينات فى المعمل خلال 18 شهرا (قرابة عام ونصف تقريبا) ، وفى حالة اكتشاف مضادات حيوية جديدة ، فمن الممكن أن تتوافر في السوق الدوائي العالمي خلال عشر سنوات تقريبا.