لا يدرك كثير من الناس أن ثمة علاقة وطيدة بين نوع الغذاء الذي يعتمد علىه الانسان في طعامه المعتاد وبين المناخ والطقس الذي يحيا فيه. أدرك العلماء والباحثون هذه العلاقة نظريا منذ فترة بكشف العناصر والمخرجات التي تنتج عن العمليات الحيوية التي يشترك فيها الانسان يوميا وكشفوا تأثيراتها على البيئة ودرسوا تأثيرها المتراكم على تغيرات المناخ في كل مكان يحيا فيه الانسان على سطح الارض. سنتعرض لأحد هذه الابحاث العلمية المنشورة والتي قام بها علماء ألمان في منظمة دولية لحماية البيئة وهي متعلقة بدراسة تأثير الاعتماد على اللحوم في الغذاء ونتيجة ذلك على تغيرات البيئة والمناخ.
الاعتماد على اللحوم في الغذاء وتأثيره على تغيرات البيئة والمناخ.
يستهلك كثير من الناس اللحوم بإفراط والقصد هنا اللحوم الحمراء والبيضاء على السواء دون وعي بالمخاطر الصحية والمناخية الناتجة عن هذا الاستهلاك. وكشفت دراسة أجرتها منظمة البيئة الدولية عن حلول تجنب الإنسان هذه المخاطر من أجل أن يعيش في بيئة صحية أفضل وملائمة للعيش.
تركز البحث كما قلنا على مجموعة من الشعب الألماني الذي يعيش في 4 مدن صناعية ورئيسية مختلفة, وكانت المعطيات الأساسية أن الانسان في ألمانيا يتسبب بما نسميه أسلوب المعيشة وطريقة الحياة في إنتاج ما يقارب 11 طنا من غاز ثاني أكسيد الكربون سنويا (غاز ثاني أكسيد الكربون هو الغاز المتسبب في ظاهرة الاحتباس الحراري والتي أثبت مؤتمر المناخ العالمي ومنظمات الامم المتحدة أنها الظاهرة التي تتسبب بالفعل في تغيير المناخ على سطح الارض ولها كثير من التأثيرات على ارتفاع حرارة الارض, وارتفاع منسوب البحر وتهديد كثير من المدن الساحلية, وارتفاع معدل ذوبان ثلوج القطبين الشمالى والجنوبي, واتساع ثقب الاوزون). الدراسة كانت بعنوان “تغير المناخ على طبق”. ركز العلماء فيها على دور واهمية المواد الغذائية في هذه النتيجة المُسجلة. وفحصت هذه الدراسة كل الغازات المُستخدمة في الأعمال المنزلية، وزراعة العلف للأبقار والجاموس، ونقل المواد الغذائية المستوردة إلى ألمانيا وتخزينها ، وما يُسمى أيضا “الانبعاثات غير المباشرة” الناتجة عن تحويل بعض الغابات الاستوائية إلى مراعي لتغذية الحيوانات.
قليل من اللحم يصنع الفارق
حساب القيم الناتجة عن أكل اللحوم كانت الخُطوة الثانية التي أعتمدتها هذه الدراسة ، وافترضت أن كل ألماني يأكل نصف كمية اللحوم المُعتاد علىها كل فرد. وذكرت الجمعية الألمانية للتغذية بأن تناول 450 جرام من اللحم كل اسبوع يعتبر مناسباً لحاجة الإنسان طبقا لعلوم التغذية وحساب السعرات الحرارية اللازمة للانسان العادي. وأشارت الناشطة في مجال حماية البيئة والتغذية Dreger Tiran إلى أن” النتائج المُسجلة مُدهشة، خاصة بالنسبة للألمان وقالت “إنه من الممكن توفير 9 ملايين طنا من غاز ثاني أكسيد الكربون، إذا تناولنا كمية أقل من اللحوم فقط في يوم واحد من أيام الأسبوع”. واضافت أنه ليس من الضروري أن يمتنع الانسان عن تناول اللحوم نهائيا، أو يمتنع عن قيادة السيارة بشكل نهائي. ولكنها تناشد الناس بالحرص والاعتدال في قيادة السيارات وأكل اللحوم. وقالت فيما يتعلق بهذا الأمر”يجب علىنا استغلال أي فرصة للحد من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو، من أجل خفض التأثيرات الخطيرة بشكل كبير”, وترى أيضا أن كل مساهمة ولو بسيطة ومحدودة قد تكون فعالة.
أثار مباشرة لارتفاع استهلاك اللحوم
يقول الباحث في علوم الزراعة Shteg Tantsman في منظمة “خبز لكل العالم” غير الحكومية والداعمة لمنظمة البيئة الدولية “كلما زادت معدلات استهلاك اللحم، زادت الحاجة في استغلال الأراضي من أجل إنشاء أماكن العلف والمراعي”. وتحتاج الدول المُوردة لألمانيا مثلا ما يُقارب 2 مليون هكتار لإنشاء هذه الأماكن. ففي أمريكا الجنوبية على سبيل المثال يتم طرد السكان الأصليين من أراضيهم من أجل استغلال هذه المناطق، كما أشار أيضا إلى زيادة استخدام الأسمدة والمبيدات الضارة. كل هذه المنظومة البيئية التي يلزمها انتاج اللحوم لاستهلاكها في الطعام تعتبر منظومة غير صحية اذا اعتمد الانسان في طعامه على اللحوم بشكل مبالغ فيه.
العائد الاقتصادي بعد تحديد استهلاك اللحوم
من النتائج المباشرة الاقتصادية التي نتجت عن اجراء هذا البحث هي أن اقتصاديات الاسرة الالمانية تحسنت وذلك بسبب شراء الألمان فقط ما يحتاجون الىه من المواد الغذائية وتجنبهم رمي الفائض من هذه المواد. وهذا يساعد على توفير 800 كيلوجرام من ناتج ثاني أكسيد الكربون من كل شخص. وبالحساب البسيط وجد الباحثون أننا يمكننا القول أن ” كل عائلة مُكونة من أربعة أشخاص تستطيع توفير 1200 يورو تقريبا، لو قللت من رميها للمواد الغذائية”.