حالة الاكتئاب هي مصطلح لا يشير إلى مرض نفسي بالمعنى الشائع، أي إن حالة الاكتئاب لا تتطلب الخضوع بالضرورة لجلسات نفسية، فإن ذلك يحدث فقط إذا كانت الحالة تتسم بالحِدة، واستمرت مع المصاب بها لفترة زمنية طويلة، حتى صارت تشكل عائقاً أمامه يمنعه من مواصلة حياته، لكن حالة الاكتئاب بمفهومها العام هي حالة من الضيق، جميعنا نمر بها نتيجة التعرض لأية ضغوط أو مواجهة مشكلات ما، ولكن الأهم هو ألا يستسلم الإنسان لتلك الحالة، ويعمل على التصدي لها والتخلص منها، والاكتئاب لدى الرجال يتسم بشئ من الشدة والقسوة، خاصة وإن الرجل عادة يجد صعوبة في التعبير عن مشاعره السلبية، اعتقاداً بإن ذلك يجعله يظهر بمظهر الضعيف، والأدهى إنه لا يمكنه تجاوز حالة الاكتئاب دون تلقي الدعم.. وهنا يأتي دور شريكة حياته، ولكن السؤال كيف يمكنها تحقيق ذلك؟
حالة الاكتئاب .. الدلالات وطرق توفير الدعم :
كي توفر المرأة لشريكها الدعم اللازم عند تعرضه لـ حالة الاكتئاب ، فهي مطالبة بالتعرف على أمرين، أولهما هو الدلائل التي تنبهها إلى مرورة بإحدى حالات الاكتئاب؟، وثانيهما كيف توفر له ذلك الدعم وتدفعه للتخلص من تلك الحالة السلبية؟
أولاً : علامات ودلالات حالة الاكتئاب :
قبل تقديم المساعدة إلى المصاب بـ حالة اكتئاب ،فيجب أولاً أن نكتشف إن ذلك الشخص يمر بتلك الحالة، فليس كل لحظة ضيق أو ملل تمر بشخص ما، تصنف على إنها واحدة من حالات الاكتئاب، إنما حالة الاكتئاب حتى البسيط منها له دلالاته ومؤشراته، والتي تعني إن حالة الضيق التي يمر بها الشخص أيا كان سببها، فإنها تتسم بشئ من الشدة، ومن بين هذه الآمارات الدالة على إصابة أحدهم بـ حالة الاكتئاب ما يلي:
أ) تغير الأعمال الروتينية :
إذا لاحظتي إن زوجك قد قام بتغيير روتينه اليوم على نحو مفاجئ، فإن ذلك قد يكون دليلاً على إنه يعاني من حالة الاكتئاب ،خاصة وإن كان في السابق يتمسك بذلك الروتين تحت أي ظرف، فهل هو فوت مشاهدة مبارة كرة قدم فريقة المفضل، على الرغم من إنه في السابق كان من المتعصبين له؟!، هل هجر جلسة المقهى بالمساء مع الأصدقاء، برغم إنه اعتاد أن يتوجه إليها في كل مساء ولم يفوتها إلا نادراً؟!.. إن كان الأمر هكذا فيمكن الاعتداد بذلك كأحد أعراض حالة الاكتئاب.
ب) التغيرات السلوكية :
هل أصابت سلوكيات زوجك أية تغيرات في الآونة الأخيرة؟.. هو سؤال لابد من طرحه ولابد أيضاً من إيجاد إيجابة له، في حال أن أثيرت بداخلك شكوك حول إنه يمر بـ حالة الاكتئاب ،فإن تغير النمط السلوكي للرجال من أقوى الدلالات على حالتهم النفسية، ويذكر أطباء النفس هنا إن التغير لا يجب أن يكون بشكل سلبي، بل إن التغير في حد ذاته -أيا كان- هو من دلالات حالة الاكتئاب ،فإن كان زوجك من الأشخاص المتسمون بالجرأة والاجتماعية، ثم فجأة تحول إلى شخص أكثر حياءً أو يفضل الانطواء والابتعاد عن الجمع، فإن ذلك يشير إلى إنه يمر بـ حالة الاكتئاب
جـ) المزاج المُتقلب :
أحد الدلالات القوية على تعرض شخص ما لـ حالة الاكتئاب ،هو أن يصبح بين ليلة وضحاها شخص متقلب المزاج، فهو تارة هادئ وصامت لحد البرود، وتارة أخرى تصيبه نوبة من العصبية والغضب وتثور ثائرته، فإن ذلك أوضح الأدلة على تعرضه لخلل نفسي ما، وبنسبة كبيرة يكون ذلك الخلل متمثل في حالة الاكتئاب سواء كانت بسيطة أو حادة.
د) مقياس الشهية :
معدل الشهية إلى الطعام هي واحدة من دلائل حالة الاكتئاب أيضاً، وتعتبر الشهية إلى الطعام دليلاً سواء كانت منخفضة أو متزايدة، فإن فقدان الشهية على نحو مفاجئ ورفض تناول الوجبات، هو دليل على إن الشخص يمر بضائقة نفسية ما، هي في غالب الظن تكون إحدى حالات الاكتئاب، والأمر نفسه ينطبق على النهم إلى الطعام بشكل مبالغ، فإن كان الشخص يتناول الطعام بمعدلات مرتفعة ولم تكن هذه عادته في الماضي، فإن ذلك دليل واضح على معاناته من خلل نفسي ما، أو تعرضه لحالة من الضيق أو حالة الاكتئاب.
هـ) اضطرابات النوم :
فوائد النوم الصحية بالغة التنوع والتعدد وينصح الاطباء بأغتنامها، لكن النوم لفترات طويلة تصل في بعض الأحيان لأكثر من 12 ساعة، هي من الأمور غير المحمودة، وتعتبر هنا مؤشر سلبي على تدهور وتردي الحالة النفسية للإنسان، وفي أغلب الأمر يكون النوم لفترات طويلة هو وسيلة للهرب من مواجهة المشاكل، التي تراكمت على عاتق المريض فأصابته بـ حالة الاكتئاب ،والأمر نفسه يمكن قوله عن الأرق ومواجهة صعوبات في النوم بشكل ملحوظ، فعادة ما يكون الدافع إلى ذلك هو القلق والتوتر المفرطين، وهما من المشاعر السلبية التي ترافق عادة المرور بـ حالة الاكتئاب
ثانياً : كيف تقدمين المساعدة ؟
حالة الاكتئاب من الحالات نفسية شائعة ومؤلمة في آن واحد، وكما ذكرنا فإن الاكتئاب ينال من الجميع وإن كان ذلك يحدث بنسب متفاوتة، ولكن الأسعد حظاً بين المصابون بـ حالة الاكتئاب ،هم هؤلاء الذين يملكون شريكاً للحياة، فيمكننا هنا افتراض إنهم سيجدون يداً تمتد إليهم وتقدم لهم العون، وتحفزهم وتحثهم على تخطي ذلك الأمر وتجاوز تلك الحالة، وذلك الأمر تفعله الشريكة لأجلهما معاً وليس لأجل الزوج وحده، فإن حالة الاكتئاب إذا تمكنت من أحد الطرفين، فإنها بالضرورة ستحول حياتهما إلى جحيم.. فكيف يمكن أن تقدم المساعدة في هذا الصدد؟
لا أسئلة :
أغلب الرجال لا يفضلون البوح بعواطفهم أو أسرارهم، صحيح إن ذلك لا يمكن الاعتداد به كقاعدة للتعامل مع جميع الرجال، لكن نسبة كبيرة منهم تفضل الاحتفاظ بالأسرار، خاصة وإن كانت تلك الأسرار تنطوي على موقف أظهر فيه ضعفاً، أو تعرض فيه لإهانة ما، كانت هي السبب في دفعه إلى حالة الاكتئاب ..لذا فإن تم توجيه السؤال إليه بشكل مباشر، فإنه سينكر ضيقه ويتملص من الإجابة، لذا فالأفضل أن يتم استدراجه برفق من خلال تجاذب أطراف الحديث، يمكن أن يكون ذلك من خلال طرح القليل من الأسئلة، بشرط أن تكون أسئلة عامة ومُطلقة، فقط كي تحثه على البدء في التحدث، ومتى ابتدأ ذلك فهذا يعني اجتياز أول خطوة فعلية تجاه تخلصه من حالة الاكتئاب
اتركيه يتحدث :
حين تنجحين في حل عقدة لسان الرجال، وتجدينه قد بدأ في الحديث عن حالة الاكتئاب التي يعيشها وأسبابها، فلا تتسرعين هنا بتقديم الحلول بهدف المساعدة، فهو لا يرغب في إيجاد حل جذري لمشكلته، إنما هو يرغب في الشعور بحالة من الارتياح والاسترخاء، وتلك الحالة تتحقق بإزاحة عبء الأسرار عن صدره ومشاركتك إياه، فلا تقيمن بمقاطعة حديث من يعاني من حالة الاكتئاب بعدما بدأ أخيراً في الاسترسال..
استخدام الذكريات :
الذكريات هي واحدة من وسائل محاربة حالة الاكتئاب ،فإن آلام وإحباطات الحاضر وتخوفات المستقبل، لا مكافح لها أفضل من لحظات الماضي السعيد، فاحرصي على أن تعيدها إلى الزوج في حالة تعرضة لـ حالة اكتئاب عابرة، يمكن أن يتم ذلك بدعوته إلى الخروج والتنزه، يمكن أن تصحبيه إلى مكان ذو خصوصية بالنسبة إليكما، أو تجلسا معاً جلسة ودية تتأملان بها ألبومات الصور الحاوية ذكرياتكما.
مراقبة الحالة :
مساعدة من يمر بـ حالة الاكتئاب لا تقتصر على إسعاده فقط، بل إنها في بعض الأحيان تتعدى ذلك الحد، فيقوم الشريك بدور المراقب أو الحامي، وذلك إذا كانت حالة الاكتئاب من النمط المزمن أو الحاد، فإذا لاحظ الشريكة إن الزوج كثير الحديث عن الموت أو فكرة الخلاص، فإن ذلك قد يكون مؤشر على تدهور حالته وإشداد أزمته، وهنا يجب أن تستشير أحد الأطباء المتخصصين على الفور، فإن ذلك يعني بأن المريض بدأت تظهر لديه بعض الميول الانتحارية.