أعراض التوحد رغم تعددها لا يمكن ضمها داخل قائمة واحدة، ووصف تلك القائمة بأنها شاملةمتضمنة كافة الأعراض، وسر ذلك هو أن أعراض التوحد ،وهي غالباً أعراض سلوكية، تختلف باختلاف المرحلة العمرية للمريض، بل أنها تستمر في التطور مع تلاحق مراحل النمو.
أعراض التوحد خلال المراحل العمرية المختلفة :
أعراض التوحد يُمكن ملاحظتها منذ العام الأول للطفل المصاب، ولكنها تصبح أكثر وضوحاً وتجلياً في عمر 3: 4 سنوات، وتستمر في التغير مع اختلاف المراحل العمرية وتعاقبها، ومن بين أعراض التوحد التي يستدل بها على الإصابة به، ما يلي:
تأخر النطق :
تأخر النطق بالنسبة للأطفال قد يكون ناتج عن أسباب عديدة، لكن يجب ألا نغفل أن مرض التوحد هو أحد تلك الأسباب، وما يميز تأخر كلام الطفل الناتج عن التوحد غير غيره، هو أن في تلك الحالة غالباً ما يكون الأمر أشبه بالإصابة بالخرس، فطفل التوحد من الممكن أن يتم العام الأول من عمره، ويكون عاجزاً عن النطق بكلمة واحدة ولو بسيطة..
وإذا تمكن طفل التوحد من النطق بعد مضي العام الأول، فأن كلامه يكون شحيح لدرجة كبيرة، ويواجه الكثير من الصعوبة عند محاولة قوله، وغالباً ما يبلغ عمر العامين وهو لا ينطق سوى كلمات مفردة، أي أنه يعجز عن تكوين جملة بسيطة واحدة، ويؤكد الأطباء أن فقدان المهارات اللغوية بالنسبة للطفل أو ترديها، هو أحد أقوى أعراض التوحد والدلالات المشيرة إليه، ولكن ذلك لا يُعني أن الطفل سيعاني من ذلك طيلة حياته، فالنسبة الغالبة من الأطفال المصابون تمكنوا من النطق بشكل طبيعي، ولكن ذلك كان في مرحلة متقدمة من أعمارهم.
عدم الاستجابة للمثيرات :
من أعراض مرض التوحد والمؤشرات الدالة على الإصابة به، والتي يمكن منها الكشف عنه في وقت مبكر، هو امتناع الطفل عن الاستجابة للمثيرات الخارجية، أو بمعنى أدق لا يُعطي أي رد فعل تجاه أي مثير، فعند مداعبة أحد المحيطين له، لا يستجيب الطفل لتلك المداعبة ولا ينتج عنه أي رد فعل تجاهها، فهو لا يبتسم مثلاً وفي ذات الوقت لا يظهر النفور، إنما يكون متسماً بشيء من جمود الملامح أن صح التعبير، كما ذُكِر فإذا كان ذلك الأمر هو السائد وليس مجرد موقف عابر، فإن الأطباء يعدونه من الدلالات القوية على إصابة الطفل بمرض التوحد.
ضعف الاتصال الجسدي :
من أعراض التوحد أيضاً عدم استخدام لغة الجسد، فقد توصلت الأبحاث العلمية المتناولة لذلك المرض، إلى أن الأطفال المصابون بحالة من حالات التوحد ،لا يمكنهم بأي شكل التعبير عن أنفسهم باستخدام لغة الجسد، أي أن عند محاورة طفل التوحد ،لا تتوقع منه أن يجيب بحركة من رأسه أو أن يشير بيده، وكذلك تعد لغة العيون لغة يصعب على طفل التوحد فهمها وتحدثها، فهو لا يستعين بها بتاتاً ولا يتواصل بالعين أبداً، حتى مع أقرب المقربين إليه مثل أبويه وأخوته، ويعتبر ذلك العرض أيضاً من أقوى الأعراض الدالة على التوحد
التركيز البصري :
من أعراض التوحد إطالة النظر إلى الأشياء، قد لا ينتبه المحيطون بالطفل إلى ذلك العَرَض، أو يحسبونه حالة عابرة من الشرود الطبيعي، وهو قد يكون كذلك بالفعل، لكن تكراره بصفة مستمرة يُرجح أن يكون الطفل مصاباً بالتوحد، وذلك لأن مريض التوحد دائم التطلع إلى محيطه، وإذا انجذب بصره إلى شيء معين، فإنه يمكن أن يطيل النظر إليه لفترات طويلة دون ملل، وكأنها حيلته الوحيدة لتسلية نفسه التي تيميل غريزياً إلى الانعزال.
الأعراض الفيسيولوجية :
الآمارات والدلالات التي تشير إلى احتمال أن يكون الطفل مصاباً بـ التوحد ،لا تقتصر فقط على الدلالات السلوكية، فقد حدد الأطباء مجموعة من الأعراض الفيسيولوجية، واعتبروها من أقوى المؤشرات التي قد ترجح الإصابة بمرض التوحد ،إذ وجدت الدراسات أن الإصابة به تصاحبها اضطرابات فيسيولوجية عديدة، أكثرها شيوعاً هو تعرض طفل التوحد لاختلالات الجهاز الهضمي، كالإصابة بنوبات متكررة من الإمساك والإسهال، وكذلك بعض الحالات عانت من التشنجات، وضعف العضلات مما يجعله يواجه صعوبة في القيام بالأنشطة المختلفة، حتى البسيط منها كصعود درجات السلم أو حمل الأشياء.
الانعزال :
إذا قلنا بأن مصطلح التوحد هو مرادف للفظ انعزال، فلن نكون قد ابتعدنا كثيراً عن الصواب، ومن ثم كان من البديهي أن يكون الانعزال أحد أعراض التوحد ،وليس ذلك فقط، بل أن الميل الدائم إلى العزلة وتكنب الآخرين، هو عَرَض التوحد الأقوى على الإطلاق، ويمكن ملاحظته فور بلوغ الطفل عمر العامين ونصف : ثلاثة أعوام، وتستمر حالة الانعزال الحاد تلك إلى عمر الالتحاق المدرسة، إلى تظل مسيطرة عليها حتى يبلغ سن خمس : سبع سنوات تقريباً.
صعوبة عقد الصداقات :
حالة الانعزال التام التي يعاني منها طفل التوحد، يتخلص منها تدريجياً عند بلوغ سن المدرسة، وذلك لأن الواقع الاجتماعي الجديد، يفرض عليه الاحتكاك بالغرباء والتعامل مع الآخريين، ولكن ذلك لا يعني أنه قد تخلص تماماً من ذلك العرض من أعراض التوحد ،فعلى الرغم من أن الطفل المريض في هذه المرحلة، تتراجع سلوكياته الانعزالية بنسبة كبيرة، إلا أنه يواجه مشكلة من نوع آخر هي عجزه عن عقد الصداقات، فذلك الطفل الذي تخلص من انعزاليته للتو يكون غير قادر على كسب الرفاق، كما أن نقاشه أو حديثه للآخرين يكون بدافع الضرورة والضرورة القصوى، بينما في المطلق فهو يظل متمسكاً بطبعه الانعزالي، فلا يمكن أن نجد الطفل الذي يعاني من التوحد ،يشارك بأحد الأنشطة المدرسية أو يمارس لعبة جماعية مع أقرانه.
عدم اللجوء للأهل :
حين يُعرض الطفل لأي موقف استفزازي، أو حين يصاب بأذي مادي أو معنوي من شخص غريب، فما رد الفعل الطبيعي المنتظر منه في تلك الحالة؟.. المنطق يقول أن الطفل في مثل هذه المواقف، أول ما يفكر به هو التوجه إلى المقربين منه، وبالأخص أحد والديه، إما ليحتمي بهم أو يشكو إليهم ما أصابه، لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للطفل الذي يعاني من إحدى حالات التوحد، بل أن عدم اللجوء للأهل يعد أحد أعراض التوحد ،فوفقاً لتقارير الأبحاث العلمية فإن مرضى التوحد لا يطلبون الدعم، ويرى بعض الباحثون أن مريضو التوحد لا يفرقون بين أبويهم والأغراب، ولذلك فأنهم لا يتوجهون إليهم ويلوذون بهم، وللسبب ذاته نجد من بين أعراض التوحد عدم النفور، أي أن طفل التوحد حين يترك مع شخص غريب عنه، لا ينفر منه ولا يبدي رغبة في التوجه إلى أحد أبويه.
المهارات الدراسية :
المهارات الدراسية وكيفية التحصيل العلمي، هما من الأمور التي يمكن أن تدرج بقائمة أعراض التوحد ،فمن خلال مراقبة أداء الطفل، قد نكتشف معاناته من إحدى درجات مرض التوحد، وبحسب الدراسات الطبية التي تناولت التوحد وخصائص مرضاه، فأن الطفل المصاب بالتوحد يجد صعوبة في أداء الفروض والواجبات المدرسية، وبالأخص الفروض التي تعتمد على المهارات الكلامية، فلا تتوقع منه أن يحرز أي تقدماً إذا خضع لاختباراً شفوياً، بينما الأمر على النقيض بالنسبة للواجبات المعتمدة على النظر، والملاحظات البصرية، فإن الطفل في ذلك النمط يُظهر تفوقاً في بعض الأحيان يكون مذهلاً، الأمر الذي يثبت أنه لا علاقة بين التوحد كمرض وبين مستوى الذكاء.