مرض الذهان أو Psychosis هو مصطلح يشير إلى إحدى الاختلالات التي تصيب العقل البشري، والإصابة بهذا المرض تؤدي إلى سلب المريض قدرته على التفكير بأساليب منطقية، كذلك يتأثر الإدراك الحسي للمصاب باضطراب بالغ قد يصل إلى حد الهلاوس، وهو ما دفع العلماء إلى تصنيف مرض الذهان كأحد الأمراض المؤدية لحالة الانفصال عن الواقع، إذ أن المصاب بـ مرض الذهان يعجز عن التعايش مع واقعه أو أداء أنشطته ومهامه اليومية.
مرض الذهان :
مرض الذهان اقتبس مُسماه في الأصل من كلمة إغريقية قديمة، وهي الكلمة التي تحمل معنى يدل على تغير الحالة الطبيعية للذهن، في إشارة إلى طبيعة المرض الذي يفقد الإنسان قدرته في السيطرة على مداركه، وقد يدفعه هذا إلى إلحاق الأذى بنفسه أو بغيره.. فما هي أعراض هذا المرض وما أسبابه؟ والسؤال الأهم هو مدى قابليته للعلاج؟
أعراض مرض الذهان :
لكل مرض أعراض ومؤاشر تدل على تعرض الإنسان للإصابة به، وبالنسبة لـ مرض الذهان فأن الأعراض الدالة عليه وفقاً لما توصل إليه العلماء هي كالآتي :
- الخلل الفكري : أولى أعراض مرض الذهان وأشدها وضوحاً وسهولة في الملاحظة هي التشوش الفكري، إذ أن مريض الذهان يفقد السيطرة على تفكيره ويعجز عن ربط أفكاره، ومن ثم فأنه يطلقها مككة ومشوشة ويمكن لأي شخص ملاحظة ذلك، فالمصاب بـ مرض الذهان ينتقل من موضع لآخر دون الإشارة لهذا ودون أن يكون مدركاً هو نفسه لذلك، وفي بعض الحالات المتطورة يكون حديث المريض عبارة عن كلمات منفردة غير مرتبطة ببعضها، وهي حالة مرضية تعرف علمياً بمصطلح سلطة الكلمات.
- الهلوسة : الهلاوس السمعية والبصرية أو الهلاوس الحسية بصفة عامة قد تكون عرضاً للإصابة بـ مرض الذهان ،وتتدرج هذه الهلاوس في شدتها بحسب شدة الحالة المرضية، فقد تكون بسيطة كأن يرى المريض أضواءً أو ألواناً مخالفة للواقع، وقد تكون متطورة بحيث يرى حيوانات أو أشخاصاً يعرفهم أو لا يعرفهم، وبالنسبة للهلاوس السمعية فقد يسمع الشخص أصوات غير مفسرة، وقد يكون الأمر معقداً فيسمع مقطوعات معينة أو همساً كأن أحدهم يُحدثه، وأحياناً تأتي هلاوسه السمعية على هيأة مقطع غنائي أو موسيقي، غالباً ما يكون له علاقة بإحدى الذكريات الهامة لدى المريض.
- الأفكار الوهمية : من أعراض مرض الذهان أيضاً اختلاق المصاب لأمور وهمية، بعضها قد يكون محض خيال وتسمى أوهام أولية، وبعضها يكون له علاقة بماضي المريض وخلفيته الثقافية أو الدينية.
أسباب مرض الذهان :
تمكن الأطباء من تحديد مجموعة الأسباب تقود إلى الإصابة بـ مرض الذهان ،وقد جاءت مقسمة إلى عاملين أساسيين يسببا الإصابة به، بجانب مجموعة من الأمراض يأتي مرض الذهان كأحد مضاعفاتها المحتملة، العاملين هما إدمان الكحول والخمور بجانب الإسراف في بعض أنواع الأدوية خاصة المخدرة، أما الأمراض التي قد تتفاقم إلى الإصابة بالذهان فهي :
- الأمراض التي تنتج عن تلف خلايا الدماغ مثل الشلل الرعاش “باركنسون”، والمرض العقلي الوراثي “داء هونتينغتون”.
- بعض أنواع الصرع تكون مسببة لـ مرض الذهان
- الاختلالات العقلية مثل الاضطراب ثنائي القطب قد تتفاقم إلى مرض الذهان
- الإسراف في تناول بعض العقاقير الدوائية قد تسبب الإصابة بالمرض، والعقاقير المنشطة والستيرويدات تعد مسبباً رئيسياً لـ مرض الذهان
- التعرض إلى الصدمات العصبية الشديدة قد تسبب الإصابة بـ مرض الذهان ،وقد وجد العلماء أن نسبة كبيرة من المشاركين في الحروب، أو من تم اعتقالهم أو وقوعهم في الأسر لفترات طويلة، كانوا أكثر عرضة من غيرهم للإصابة بالذهان نتيجة ما تعرضوا له من ضغوط عصبية.
- قد ينتج مرض الذهان أيضاً عن الإصابة ببعض الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب الحاد.
- الإصابة بإحدى عدوات بكتيريا البوريليا الضارة، أو ما يعرف باسم داء لايم قد يؤدي لتعرض المصاب لحالة من حالات الذهان.
- المخدرات ضالعة في أي نوع من الاضطرابات التي تصيب العقل، ويعد مرض الذهان من النتائج التي تترتب على تعاطيها، وبالأخض مخدر الكوكاين وأقراص أمفيتامين.
- الإصابة بمرض الفصام أو الشيزوفرينيا عادة ما تصاحبه الإصابة بداء الذهان.
أما عن الذهان المؤقت فهو اضطراب وقتي شائع، لا يدوم لفترات طويلة ويصيب نسبة كبيرة من البشر، وهذا النوع من أنواع الذهان قد تنتج عن :
- قلة النوم أو الإجهاد المفرط قد تقود الشخص إلى حالة من الذهان المؤقت، الذي يزول بمجرد زوال السبب والحصول على قسط وافي من الراحة.
- خلال فترة الحمل أو بعد الولادة مباشرة تكون النساء عرضة لـ مرض الذهان المؤقت، وذلك بسبب اختلالات الهرمونات التي تصيب الجسم خلال هذه المراحل.
- إصابة معدلات الأملاح داخل الجسم بالخلل أيضاً من مسببات الذهان، ومن أمثلة ذلك الانخفاض المفاجيء لنسب الكالسيوم أو الفوسفات…
- انخفاض نسبة السكر بالدم عن الحد الطبيعي أيضاً قد تسبب حالة مؤقتة من الذهان.
مضاعفات مرض الذهان :
الخطورة الحقيقية للإصابة بـ مرض الذهان تكمن في المضاعفات المحتملة له، أو الأمور التي قد تترتب على عدم إدراك المريض لواقعه وهي :
- قد يلحق المصاب بـ مرض الذهان الأذى بنفسه أو بالمحيطين به، فهو في أحيان كثيرة يكون عاجز عن تقييم الأمور أو إدراك واقعه بشكل صحيح، وكثيراً ما تتسم تصرفاته تجاه المحيطين به بشيء من العنف والعدوانية، ولهذا على كل أسرة تتضمن فرداً مصاباً بـ مرض الذهان ،أن تستشير الطبيب لتتعرف على الطرق المناسبة للتعامل معه والسيطرة على جموحه، والأفضل بالطبع هو إيداعه مصحة ليكون تحت إشراف أفراد مؤهلين للتعامل مع حالته.
- لنفس الأسباب سالفة الذكر قد يقدم المصاب بـ مرض الذهان على الانتحار ،وذلك بسبب عجزه عن تقدير الأمور وعواقبها، بجانب أن الهلاوس السمعية التي يتعرض لها مريض الذهان تكون أحياناً عبارة عن أصوات تخيلية، وغالباً ما تأمره هذه الأصوات بأفعال معينة بعضها يعرضه للخطر، ولهذا يجب أن يبقى مريض الذهان تحت المراقبة طوال الوقت، وهو سبب آخر يجعل من إيداع المريض بإحدى دور الرعاية المتخصصة ضرورة قصوى.
علاج مرض الذهان :
رغم ما يشكله مرض الذهان من خطورة في ذاته وخطورة أشد متمثلة في مضاعفاته، إلا أن النبأ السار هو أنه من الاختلالات العقلية القابلة للشفاء، وهذا بالطبع يتوقف على مستوى شدة مرض الذهان ونوعه، فالإصابة بالذهان من النوع المؤقت تصل نسبة الشفاء منه وفقاً للإحصاءات لحوالي 80% من مجمل الحالات، أما الحالات المزمنة فحتى وقتنا هذا نسبة الشفاء منها لا تتجاوز الـ 20%.
وعلاج مرض الذهان ينقسم في مجمله إلى شقين رئيسيين، أولهما العلاج الدوائي حيث يتم إعطاء المريض جرعات محددة من العقاقير المهدئة والأدوية المحسنة للحالة النفسية، أما الشق الثاني فهو يتمثل في جلسات العلاج النفسي، وبالطبع تفهم المقربين من المريض بحقيقة حالته ودعمه معنوياً، من الأمور التي تساهم بفاعلية في العلاج وتُسرع من عملية الشفاء، وفي هذا الصدد يحذر أساتذة الطب من معاملة مريض الذهان وكأنه معاق أو مصاب بتأخر عقلي، بل أن على المقربين منه أن يدعموا شعوره بثقته في نفسه، وأن يتيحوا الفرصة أمامه لممارسة دوره الأسري بما يتناسب مع حالته ومدى تدهورها.