أنواع الإدمان على اختلاف أنواعها وتعدد أشكاله متدرجة الخطورة، وأحد أخطر هذه الأنواع هو ما يُعرف بإدمان القمار أو القمار القهري، والذي يقصد به إفراط الشخص في ممارسة هذه الألعاب أو المراهنات، ويقوم بهذه الممارسات مرغماً ودون إرادة حقيقية منه، ولتبين حجم المشكلة الحقيقي يكفي القول بأن قيمة الأموال التي تتم المقامرة بها بالولايات المتحدة، بلغت حوالي 50 مليار دولار أمريكي سنوياً وهي في تزايد مستمر، أما خطورة هذا النوع من أنواع الإدمان فتكمن في أن أثاره السلبية لا تنعكس على المدمن فقط، بل أن النتائج التدميرية لتفشي هذا الإدمان تحيق بمجتمعات كاملة.
من أنواع الإدمان .. إدمان القمار :
الحالات التي تم تشخيصها كحالات إدمان قمار صريحة تقدر بحوالي 5% من ممارسي القمار، لكن العلماء يؤكدون أن النسبة الفعلية تفوق ذلك بمراحل، والمفارقة أن مدمني القمار من الرجال أغلبهم في مرحلة المراهقة المتأخرة، أما النساء فإدمان القمار لديهن يزداد في مراحل متأخرة من أعمارهن، وبشكل عام فأن النساء يشكلن النسبة الأكبر من مدمني القمار، فترى ما الأسباب التي تدفع الأشخاص لمثل هذا النوع من أنواع الإدمان ؟ وما الأعراض التي قد يستدل بها على وقوعه؟ والسؤال الأهم هل هناك سبيل للعلاج منه؟
أولاً : أسباب إدمان القمار :
التوصل إلى حقيقة ذلك النوع المقيت من أنواع الإدمان السلوكي والوقوف على الأسباب المؤدية له، هو بمثابة منافسة مفتوحة بين علماء الطب وعلماء النفس، فمن سيتمكن من التوصل إلى هذه الأسباب وإثباتها سيكون قد حقق بذلك سبقاً طبياً، إذ أن لا يوجد سبب واضح وصريح مصنف كسبب لإصابة الشخص بهذا الإدمان، إلا أن الأبحاث التي أجريت حول ذلك الأمر وإن لم تأت بنتائج قاطعة، فهي على الأقل قد تمكنت من ترجيح بعد العوامل وتحميلها مسئولية اقتياد الشخص إلى إدمان القمار وهي :
1- العامل النفسي :
يعد العامل النفسي هو القاسم المشترك بين مسببات أنواع الإدمان جميعها، فلا يوجد مدمن يتمتع بصحة نفسية سليمة وقويمة مطلقاً، فلا يلجأ إلى الإدمان سواء كان إدماناً مادياً كإدمان المواد المخدرة على اختلافها أو إدماً سلوكياً كإدمان التسوق أو المقامرة، وهذا لأن من يعاني من مرضاً نفسياً يهرب منه إلى الإدمان باحثاً عن اللذة الكاذبة والإمتاع الخادع، وفي أغلب الأحيان يكون الاكتئاب الحاد هو المشكلة النفسية المباشرة الدافعة إلى الإدمان، بجانب عوامل أخرى غير مباشرة تقود الشخص إلى الاكتئاب ومن ثم إلى أي من أنواع الإدمان ،مثل إحساس الإنسان بالقهر من قبل الأشخاص المحيطين به، أو تعرضه لصدمة نفسية حادة كخسارته لأحد المقربين على سبيل المثال وغيرها…
2- اضطراب عقلي :
ذهب بعض العلماء لأبد من العامل النفسي ورأوا أن إدمان القمر قد يكون ناتج عن خلل عقلي، وخصوا بالذكر الاضطراب الثنائي القطب كأحد مسببات أنواع الإدمان السلوكية، وبصفة خاصة الإقدام على إدمان المقامرة والمراهنات.
3- العقاقير العلاجية :
هذا العامل لم يتم إثباته علمياً بشكل قاطع ومازال محل دراسة وبحث من قبل المختصين، إذ وجد العلماء أن بعض العقاقير العلاجية تحفز احتمالات اندفاع الشخص إلى نوع من أنواع الإدمان ،وقد لاحظ العلماء أن الأشخاص الذين تلقوا علاجاً لمرض باركنسون “الشلل الرعاش”، كانوا أكثر عرضة من غيرهم لإقبال على أنواع مختلفة من الإدمان السلوكي!
ثانياً : أعراض إدمان القمار :
لما يشكله هذا النوع من أنواع القمار من خطورة على الفرد والمجتمع ككل، ويهدد كلاهما بتردي الأخلاق والاتجاه إلى الفواحش ومن ثم الانهيار، فقد أخضع العلماء ظاهرة إدمان القمار أو القمار القهري للعديد من الدراسات، محاولين التوصل من خلالها إلى الأعراض التي تدل على إصابة شخص بهذا النوع من أنواع الإدمان ،خاصة وأن ليس كل ممارس للقمار هو مدمن عليه، إنما يتحقق الإدمان كنتيجة لتكرر عمليات المقامرة والتردد على صالات القمار، والقمار هنا يراد بمهمومه الواسع الشامل لكافة أشكال المقامرة سواء قمار صريح أو عقد مراهنات وما شابهها، وأعراض تحول الفرد من ممارس عادي لهذه العادة السيئة إلى مدمن لها يمكن أن توجز فيما يلي :
التهور في المقامرة :
كل ممارسي القمار وإن كانوا ليسوا في منأى عن أضراره ومخاطره المتعددة، إلا أن جميعهم لديهم حدود لا يتعدونها ويحتسبون لكل سنتاً يلقونه على الطاولة الملعونة، لكن حين يصير القمار بالنسبة لهم أحد أنواع الإدمان يفقدون هذه السيطرة، ومن ثم تتسم طريقة ممارستهم للقمار أو المراهنات بشيء من التهور والجنون، فينفقون أموالاً طائلة على المقامرات ولا تردعهم الخسائر المتكررة، وحيث يكون الأمر هنا مبعثه ليس الممارسة أو تسلية الوقت، إنما يصبح القمار بالنسبة لهم غاية في ذاته ينشدونها، ولا تعد الإثارة المرجوة أو الانتشاء المرغوب يتحققان إلا بضخ أموال أكبر إلى الطاولة، ومن الأمور الدالة على انزلاق الشخص إلى هاوية التهور بالمقامرة، أن يبدأ مثلاً في بيع أصول أو ممتلكات لتوفير المال اللازم للمقامرة.
إخفاء ممارسة القمار :
قياساً على عادة ضارة كالتدخين على سبيل المثال، نجد أن المراهق حين ينجرف إلى التدخين يخفي الأمر عمن حوله، وذلك لأنه في قرارة نفسه يدرك بشكل تام أنه يقوم بفعل خاطيء لابد من إخفاؤه، بعكس البالغ الذي يجد في ذلك أمراً عادياً لا يستوجب مداراته، هكذا هو الأمر أيضاً بالنسبة لأي من أنواع الإدمان ،فحين يسقط الإنسان في شرك المقامرة أو أي نوع آخر من الإدمان، تتكون لديه هذه القناعة بأنه يرتكب خطأً وفطرة الإنسان تمنعه دوماً من الإقرار بهذه الأخطاء، ومن هذا العرض نستنتج إن القمار القهري حين يصيب شخص ما فهو لا يكون مغيباً، إنما يكون مدركاً لأفعاله وأنه منساق وراء رغبة داخلية هي ما يحركه، وتزداد قوة هذا المؤشر على الإدمان إذا كان الشخص يعلن ممارسته للقمار في وقت سابق.
الشعور بالندم :
هذا هو المؤشر والدليل الذي تتشاركه كافة أنواع الإدمان على اختلافها بما فيها إدمان المقامرة، ويأتي هذا العرض من أعراض الإدمان كنتيجة مترتبة على العرض سالف الذكر، فشعور الشخص بأنه يقوم بارتكاب خطأ جسيم يستوجب ستره وإخفاؤه عن المقربين، يقوده إلى الإحساس بالندم على هذه الأفعال في لحظات إفاقته، ويتمنى ألا يعود لمثل هذه الأمور مرة أخرى إلا أنه يفشل في كل مرة، حيث أن الإدمان بأنواعه ليكون إدماناً لابد أن يتسم بصفة القهرية أي الخروج عن إرادة وسيطرة الشخص المدمن.
الانشغال بالقمار :
أنواع الإدمان بشكل عام تدفع الإنسان إلى الانشغال بها عن كافة أنشطته ومهامه المفترضة، وإدمان القمار على وجه التحديد يحتم على الشخص هذا الانشغال، إذ أن ممارسة الفرد لإدمانه هذا تستوجب منه التواجد في أماكن معينة في أوقات محددة، حيث أنه لا يمكن أن يمارس إدمانه هذا إلا وسط جماعة يشاركنه اللعب أو يعقدون معه المراهنات، بعكس أنواع الإدمان الأخرى كإدمان المخدرات وإدمان الخمور أو الإدمانات السلوكية مثل إدمان الشراء، فعادة تبدأ ممارسة الفرد للقمار في سهرات خاصة أو أوقات الفراغ، وحين يصير الأمر إدماناً لا يطيق المدمن صبراً أو انتظاراً لهذه الأوقات، فنجده يتغيب عن عمله على سبيل المثال ليوفر ذلك الوقت لإشباع رغبته من التقامر.
ثالثاً : علاج إدمان القمار :
خبرين أولهما مبشر وثانيهما سيء وكلاهما يتعلق بسبل علاج مدمن القمار من إدمانه، حيث أن أبحاث العلماء في ذلك الصدد قد توصلت لطرق قد تعالج هذا النوع من أنواع الإدمان، الخبر السيء إن نتائج هذه السبل العلاجية ليست مؤكدة بنسبة 100%، وقد يعترض المدمن السلوكي لانتكاسة وتعود إليه رغبته في ممارسة هذا السلوك الذي أدمنه لفترة طويلة، وعلى كل حال فإن علاج إدمان القمار كما حدده العلماء يرتكز على ثلاثة أسس رئيسية هي :
1- العلاج النفسي :
إدمان القمار شأنه في ذلك شأن مختلف أنواع الإدمان الأخرى، لابد أن يكون العلاج النفسي ركيزة أساسية به، خاصة وأن الإدمان نفسه عادة ما يكون ناتج عن تعرض الشخص لإحدى المشكلات النفسية، ومن ثم تصير جلسات العلاج النفسي ضرورة قصوى، لمساعدة المريض على تخطي هذه الأزمة التي دفعته للإدمان في الأساس، والمعضلة هنا هي أن إتيان العلاج النفسي هذا بنتائج إجابية، يتطلب اعتراف المريض أولاً بأنه يعاني من مشكلة نفسية وبأن ممارسته للقمار تصنف كحالة إدمان، وإذا تمكن الطبيب من حمل المدمن على الاعتراف بذلك فيكون قد انجز 50% من مهمته العلاجية.
2- العلاج السلوكي :
القمار القهري أو إدمان القمار هو أولاً وأخيراً اضطراب سلوكي يعاني منه الشخص، ومن ثم كان لابد أن يكون للعلاج السلوكي دوراً في العملية العلاجية لهذا النوع من أنواع الإدمان ،ويكون الهدف هنا من هذا العلاج هو إعادة تأهيل وتهيأة الشخص، ويعتمد هذا العلاج على تحديد المعتقدات غيرالصحية التي تكون داخل عقل الإنسان، ثم العمل على استبدالها بأخرى إجابية وصحية تقيه من أضرار الأولى، وهو فرع من أفرع العلاج السلوكي يسمى بالعلاج السلوكي المعرفي.
3- العلاج الدوائي :
العمل على تعديل السلوك وتعدي الأزمة النفسية لا يغنيان عن العلاج الدوائي، وفي الواقع لا توجد عقاقير أو أدوية خاصة بعلاج أنواع الإدمان السلوكية، إنما تتم الاستعانة بالعقاقير المضادة للاكتئاب بهدف تحسين الحالة النفسية والمزاجية للشخص، كما تساعده هذه الأدوية في التغلب على رغبته في ممارسة القمار.
رابعاً : مضاعفات إدمان القمار :
هذا النوع من أنواع الإدمان تكمن مخاطره في المضاعفات المحتملة له، وبعكس أنواع الإدمان المادية لا يقتصر ضرر إدمان القمار على الحالة الصحية فحسب، بل يمتد إلى ما هو أكثر من ذلك :
- مشاكل مادية : اختصاراً إذا طالعت قائمة المشاهير الذين أعلنوا إفلاسهم خلال السنوات الأخيرة، فستجد أن النسبة الغالبة منهم كانوا من ممارسي القمار ومدمنيه، وقد استنزف ثرواتهم مما عرضهم لضائقة مالية وأجبرهم على إشهار الإفلاس.
- مشاكل اجتماعية : الحياة الاجتماعية لمدمن القمار دائماً مهددة بالانهيار، وفي أغلب الحالات تنهار بالفعل إن لم يتم علاج المشكلة في وقت مبكر، حيث أن حياة المدمن تتسم بالعشوائية وعدم الانتظام مما يعرض حياته الاجتماعية لكثير من الاضطرابات، وغالباً لا تتمكن الحياة من الصمود أمام هذه الاضطراب فتنهار في النهاية، ونسبة كبيرة من حالات الانفصال والتفكك الأسري كان الإدمان هو المتسبب بها.
- أزمات صحية : يخال البعض أن أنواع الإدمان المادي وحدها هي ما يكون لها تأثير على الصحة، ولكن الأطباء أثبتوا خطأ ذلك الإدعاء وأكدوا أن الإدمان السلوكي له ذات الآثار، فإدمان القمار والإفراط في ممارسته يوقع بالشخص تحت ضغط عصبي ونفسي شديدين، مما يخلق لديه شعور دائم بالقلق والتوتر إما بسبب التخوف من الخسارة أو تكبدها فعلياً، ووفقاً للإحصاءات فأن النسبة الأكبر من مدمني القمار يعانون من أمراض السكري أو ارتفاع ضغط الدم، وهو أكثر عرضة للوفاة نتيجة التعرض لأزمة قلبية أو السكتات الدماغية.
- الانتحار : تم تصنيف الانتحار كأحد المخاطر الناتجة عن إدمان القمار، بعد أن لوحظ أن نسبة كبيرة من حالات الانتحار كان دافعها ذلك النوع من أنواع الإدمان ،فنتيجة للضغط العصبي أو التعرض للإفلاس وغيره ينتهي الأمر بالمدمن منتحراً.