الغدة الدرقية يصفها العلماء بأنها مايسترو الجسم، وذلك الوصف قد اكتسبته في إشارة إلى الدور القيادي الذي تمارسه في حفظ اتزان الجسم، بجانب تحفيزها لمختلف لأعضائه وتنشيطها لأكثر من عملية حيوية تجرى بداخله، وفي الآونة الأخيرة انتشرت أمراض الغدة الدرقية بنسبة كبيرة، وتعد النساء أكثر تعرضاً لأمراض اختلال الغدة الدرقية ،ولكن ذلك لا يعني أنها تصيب الرجال بنسبة لا يستهان بها، وعلى كل حال كان لابد من وقفة مع هذا الاختلال الخطير، للتعرف على أهمية هذه الغدة وما تقوم به من وظائف، وما هي الأعراض التي تدل على تعرضها لأحد الاختلالات التي تصيبها، حيث أن الاكتشاف المبكر لمرض الغدة الدرقية يعد بمثابة 50% من عملية العلاج.
الغدة الدرقية .. ماذا تصنف ؟
الغدة الدرقية هي واحدة من الغدد الموجودة بجسم الإنسان المسماه بالغدد الصماء، ويقصد بمسمى الغدد الصمات تلك التي تنتج إفرازاتها مباشرة إلى مجرى الدم، وهذا النوع من الغدد ينتشر بمناطق متفرقة داخل الجسم البشري، وتتميز إفرازاتها بكونها منتجات من مواد كيميائية أو بروتينية، تعلب دوراً محورياً في تحفيز مختلف أعضاء الجسم للقيام بوظائفها الحيوية، بجانب مساهمتها الأساسية في حفظ التوازن الكيميائي داخل الجسم، ومن أهم هذه الغدد الغدة الكظرية والغدة النخامية كما يعد البنكرياس أحد الغدد الصماء، وبالطبع الغدة الدرقية موضوعنا واحدة من أهم هذه الغدد الصماء.
الغدة الدرقية .. ماذا تكون ؟
الغدة الدرقية هي الغدة الصماء التي تتخذ موقعها في محيط منطقة العنق، وعلى وجه التحديد فإنها تتواجد عند أسفل الغضروف الدرقي، وهو ما يعرف ببروز الحنجرة أو كمى يسميه العامة بالاسم الدارج “تفاحة آدم”، والتكوين الشكلي لـ الغدة الدرقية يتخذ مظهر أقرب لشكل الفراشة، حيث تتكون الغدة الدرقية من فصين يلتقيان بمنطقة المنتصف متفرعان إلى الأجناب، مما يجعلها للناظر أشبه بالفراشة ذات الجناحات المفرودة.. تحتوي بطانة الغدة الدرقية الداخلية على عدد من الخلايا الخاصة يُعرفها العلماء باسم الخلايا الكيسية، وتلك الخلايا هي الموكلة بمهمة إفراز الهرمونات التي تنتجها الغدة الدرقية ،والتي تلعب دوراً هاماً في حفظ توازن الجسم وتحفيز الوظائف الحيوية لأعضائه.
الغدة الدرقية .. ماذا تكون إفرازاتها ؟
بالحديث عن أهمية الأدوار التي تلعبها الغدد بالنسبة لحفظ الصحة العامة للإنسان، فلا يمكن إغفال الدور المحوري والفعال الذي تقوم به الغدة الدرقية ،حيث أنها المسئولة عن إنتاج بعض الهرمونات ذات التأثير البالغ على الإنسان، وهو ما يجعل من إصابتها بأي خلل أو اضطراب بمثابة خطر شديد يتعرض له المصاب، والهرمونات الأساسية التي تقوم الغدة الدرقية بإفرازها هي مركبات هرمون الثايرويد، والذي ينقسم إلى نوعين أساسيين أولهما ثيروكسين T4 وهو الرئيسي وهرمون ثالث يود الثيرونين T3، ويعد إنتاج الغدة الدرقية لهرمون T3 أكثر بمراحل من إنتاجها لـ T4، ومن ثم تقوم بعض أجهزة الجسم بمعادلة هذه النسب وفقاً لما يحتاجه الجسم، ويعد الكبد أهم أهم الأجهزة التي تحول تركيب هذه الهرمونات.
الغدة الدرقية .. ما أهميتها ؟
يفسر العلماء دور هرمونات الغدة الدرقية بتشبيهها بالمرشد، إذ إنها تعد بمثابة رسائل كيميائية توجه من الغدة الدرقية إلى مختلف الأعضاء والأنسجة، وتنتقل هذه الرسائل من هذا إلى ذاك عن طرق ضخها مباشرة داخل مجرى الدم، فتوجه الأعضاء إلى القيام بعدد من الوظائف الحيوية العامة للجسم البشري، ومن التأثيرات التي تنتج عن هذه الهرمونات ما يلي:
- النمو : تعد الهرمونات المفرزة من قبل الغدة الدرقية أساساً للنمو السليم، فيعتمد عليها بناء أنسجة العضلات وكذا تطوير الهيكل العظمي.
- الحرارة : معادلة حرارة جسم الإنسان وحفظها في معدلاتها الطبيعية من مهام هرمونات الغدة الدرقية أيضاً، كما أنها مساهم أساسي في تنشيط الدورة الدموية، وتسهيل وصول الدماء المحمل بالغذاء إلى مختلف أنسجة وخلايا الجسم.
- التوازن : يعد حفظ توازن العناصر المختلفة داخل الجسم هو الدور المحوري والأساسي لـ الغدة الدرقية ،فمستويات السكر في الدم هي المسئولة عن حفظها متزنة وتحمي الإنسان من انخفاض السكر وارتفاعه، كذلك تخفض هرمونات الغدة الدرقية من مستويات الكوليسترول الضار بالجسم.
- الأيض الغذائي : عملية الأيض أو التمثيل الغذائي هي إحدى أهم العمليات الحيوية التي تجرى داخل الجسم، فهي المسئولة عن حرق الدهون والكربوهيدرات ومختلف العناصر الغذائية الأخرى، ومن ثم تحفظ وزن الجسم وفي ذات الوقت تعمل على إمداده بالطاقة المطلوبة، وتعد هرمونات الغدة الدرقية هي المسئول الأول عن تحفيز الجسم للقيام بهذه الوظيفة الحيوية.
اختلالات الغدة الدرقية :
تعد اختلالات إفرازات الغدة الدرقية من أخطر ما يمكن أن يتعرض له الإنسان من إصابات، وذلك لسببين أولهما التأثير السلبي لذلك الاختلال على الوظائف بالغة الأهمية لـ الغدة الدرقية، وثانيهما المضاعفات الخطِرة المحتمل التعرض لها نتيجة هذه الاضطرابات، ويعد اختلالاً بوظائف الغدة الدرقية سواء زاد معدل إفرازاتها أو أصيب بالنقصان.
اختلال الغدة الدرقية للأطفال :
يعد اختلال الغدة الدرقية لدى الأطفال الرضع من أخطر الأمور التي قد يتعرضوا لها، حيث أن الاكتشاف المتأخر لهذه الإصابة يعد هو والعدم سواء، فلا يمكن علاجها إلا بمد المولود بجرعة من هرمون الغدة الدرقية التعويضي، وإن لم يحدث ذلك فإن الطفل سيصير عرضة لكثير من التشوهات أثناء نموه، قد يكون ذلك التشوه في النمو العقلي أو العضلي أو الجنسي.. ولذلك باتت بعض الدول تضع فحص وظائف الغدة الدرقية شرطاً لاستصدار شهادة الميلاد.
أولاً : أعراض عامة لاختلال الغدة الدرقية :
هناك بعض الأعراض التي تشير إلى تعرض وظائف الغدة الدرقية لنوع من الاختلال، وهذه الأعراض مشتركة في كلا الحالتين سواء قصور الغدة الدرقية أو نشاطها الزائد عن المفترض.
- تورم العنق : أولى الأعراض الظاهرة لإصابة الغدة الدرقية بأحد الخللين المحتملين، هو ملاحظة وجود تورم عند موضع الغدة بالعنق، ولكن هذا العرض لا يعد مؤشراً حاسماً على تعرض الإنسان للإصابة، إذ أنه قد يكون مصاحباً لأمراض أخرى غير أمراض الغدة الدرقية ،وحينها لا يمكن الفصل والتحقق من الأمر إلا بواسطة إجراء الفحوصات اللازمة لذلك.
- النشاط : الشعور بحالة من الكسل والفتور وعدم القدرة على القيام بأي من الأنشطة المعتادة، قد يكون ذلك عرضاً لتعرض الغدة الدرقية للإصابة بالاختلال، نتيجة خمولها وقصور إفرازها للهرمون الذي يساهم في مد الجسم بالطاقة، كذلك نشاط الغدة الدرقية الزائد عن الحد يأتي بنتيجة معاكسة، فيصبح الشخص سريع الحركة ويزداد نشاطاً عن المعدلات المعتادة له، ويكون ذلك مصحوباً بتغييرات مزاجية حيث يصب أكثر عصبية وأسرع انفعالاً.
- الحالة النفسية : تؤثر الغدة الدرقية تأثيراً مباشراً على الصحة النفسية للإنسان، ومن ثم فأنها تختل بالتبعية إذا أصيبت الغدة الدرقية بأحد نوعي الاختلال، ولكن لاحظ العلماء أن في حالات القصور ينتاب الشخص إحساساً بالاكتئاب مجهول السبب، بينما في حالات زيادة الإفراز فيكون القلق والتوتر هما الشوعرين السائدين لدى الإنسان المصاب.
- تساقط الشعر : الاعتقاد الأولي لملاحظة تساقط الشعر هو التعرض لإحد أمراض فروة الرأس، لكن العلم أثبت أن تساقط الشعر قد يكون عرضاً لأمراض أخرى أشد خطورة، وإحدى هذه الأمراض التي يعد من المؤشرات الدالة عليها هو اختلال الغدة الدرقية
- اختلالات الحرارة : هرمونات الغدة الدرقية هي المسئول الأول والرئيسي عن تنظيم درجة حرارة الجسم، ومن ثم فأن تعرضها لأي من الاختلالين الذين يصيباها يؤثر بشكل مباشر على حرارة الجسم، فإذا كان نشاط الغدة زائداً عن الحد فإنه يرفع حرارة الجسم عن المعتاد، ومن ثم يجد الإنسان نفسه يشعر بالحرارة حتى في الأيام المتسمة باعتدال الطقس أو برودته، والعكس صحيح بالنسبة لتعرض الغدة العريقة لحالة من قصور النشاط، فيكون الشخص أكثر عرضة للشعور بالبرودة والارتجاف حتى في ظل الطقس البارد.
- ضربات القلب : الغدة الدرقية هي المسئول عن حفظ معدل ضربات القلب وانتظامه، ومن ثم فأن معدل ضربات القلب يزداد مع زيادة نشاطها وينخفض مع انخفاضه، ويعد هذا العرض من أخطر الأعراض التي تصاحب اضطراب الغدة الدرقية ،حيث أن قصور النشاط قد يقود الإنسان إلى التعرض للإصابة بهبوط الدورة الدموية، أما ارتفاع معدل الضربات فيجعل المرء أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم، وخفقان القلب الذي يتسم بارتفاع صوت دقات قلب وتسارعها.
ثانياً : أعراض زيادة النشاط :
بجانب الأعراض الظاهرية العامة الدالة على مختلف اختلالات الغدة الدرقية ،قام العلماء بتحديد مجموعة أقل من الأعراض الظاهرية، التي يمكن من خلالها تحديد نوع الخلل إن كان زيادة في نشاط الغدة الدرقية أو قصور، والأعراض الثانوية التي تصاحب الإصابة بزيادة نشاط الغدة الدرقية هي:
- الرجفة : كل شيء نافع إذا ازداد عن حده الطبيعي انقلب إلى مُضر، ومن ثم فأن زيادة نشاط الغدة الدرقية ومضاعفة إفرازاتها، يؤثر بشكل سلبي على الجهاز العصبي المركزي بجسم الإنسان، ومن ثم تكون رجفة اليدين من إحدى العلامات الدالة عليه.
- الرؤية : في ذات السياق يتأثر العصب البصري بزيادة هرمونات الغدة الدرقية ،وبالتالي يكون ارتفاع معدل إفرازه مصحوباً بصعوبة الإبصار وتشوش الرؤية.
- الإسهال : يضطرب الجهاز الهضمي نتيجة لاضطراب الغدة الدرقية ،وفي حالة زيادة نشاط الغدة ينشط الجهاز الهضمي بشكل مفرط، وبالتالي جعل العلماء من الإسهال مؤشراً لتعرض الغدة الدراقية لنشاط زائد، شرط أن يكون مقترناً بعرض آخر أو أكثر من الأعراض العامة.
ثالثاً : أعراض نقص النشاط :
على الجانب الآخر وضع العلماء مؤشرات خاصة بزيادة نشاط الغدة الدرقية ،وتلك الأعراض أو المؤشرات الدالة على ذلك تتمثل في:
- الإمساك : إذا اقترنت الإصابة بحالة من الإمساك مع الأعراض العامة السابق ذكرها، تزداد هنا احتمالية إصابة الغدة الدرقية بالقصور.
- البشرة : قصور الغدة الدرقية ونقص إفرازاتها يقلل من تغذية البشرة بنسبة الدم المناسبة، ومن ثم حدد العلماء جفاف البشرة كأحد الأعراض المصاحبة لهذا المرض.
- الأظافر : تتعرض لنفس العامل السلبي الذي يصيب البشرة، ومن ثم تصبح أكثر عرضة للتقصف والكسر.
- زيادة الحيض : بالنسبة للنساء عادة يقترن تعرضهن لقصور الغدة الدرقية بزيادة نسبية في الدم المفرز خلال الحيض.
التشخيص والعلاج :
علاج اختلالات الغدة الدرقية ليس لم يعد من الأمور الصعبة طبياً، ومن هنا تأتي أهمية العلم بأعراض حدوث هذه الاختلالات، حيث أن الكشف المبكر عن التعرض للإصابة يسهل كثيراً من عملية العلاج، وفي حالات القصور عادة ما يوصي الطبيب بتناول بعض مكملات هرمون الغدة الدرقية ،وهذا لرفع معدلات إفرازاتها إلى الحد الطبيعي والضروري لصحة الإنسان، ويستمر في ذلك إلى أن يتم شفاء الغدة لتعاود العمل بشكل طبيعي، أما في حالات زيادة الإفراز فيتمثل العلاج في بعض الأدوية التي تحد من نشاط الغدة، مع تناول بعض العقاقير العلاجية التي تعيد الغدة الدرقية لطبيعتها مرة أخرى.
وفي كلا الحالتين يتوقف أسلوب العلاج على نوع الإصابة وسببه، والذي يتم الكشف عنه من خلال فحص تحليلي لعينة من دم المريض، وللتعرف على نسبة إفراز الجسم للهرمون المنظم لإفرازات الغدة الدرقية ،ومن معدلات إفراز هذا الهرمون يمكن التعرف على نوع الخلل وعلاجه.