بطانة الرحم المهاجرة هي حالة مرضية أصبحت شائعة، فوفقاً لآخر الدراسات الإحصائية فإن ملايين النساء مصابات بها، ويقدر العلماء نسبة الإصابة بحالة بطانة الرحم المهاجرة ، بقرابة 10% من إجمالي تعداد النساء حول العالم، وهي نسبة مرتفعة نسبياً وبالتأكيد مثيرة للخوف، أما عن سر تسميته بهذا المسمى الغريب بعض الشئ، فمرجوعه إن ذلك المرض يصيب الأنسجة المبطنة لداخل الرحم، الذي من المعتاد أن ينمو ويتهدم بصفة دورية، بسبب النزيف الذي يحدث بشكل دوري خلال الدورة الشهرية، أما في حالات الإصابة بـ بطانة الرحم المهاجرة ،فإن عملية النمو هذه تتم بشكل طبيعي تماماً، أما المشكلة الحقيقية فتتمثل في عدم حدوث عملية الهدم، الأمر الذي يجعل هذه الأنسجة تتنامى إلى ما لا نهاية، فيحدث في النهاية التصاق أو انسداد داخل الرحم..
بطانة الرحم المهاجرة .. الأعراض والآثار وطرق العلاج :
أمام النسبة الكبيرة لإصابات بطانة الرحم المهاجرة ،كان لابد أن نتوقف لنتساءل عن أعراضها، وكيف يمكن للمرأة اكتشاف تعرضها للإصابة بها، إذ أن الكشف المبكر يشكل حوالي 50% من عملية العلاج، وكذا علينا أن نتعرف على الخطورة الحقيقية التي تشكلها هذه الظاهرة، والسؤال الأهم على الإطلاق هو مدى إمكانية علاجها.
أولاً : أعراض بطانة الرحم المهاجرة :
الكشف عن حدوث الإصابة بـ بطانة الرحم المهاجرة ،وتشخيص هذه الأجهزة الطبية، لا يمكن أن يتم بمعزل عن الكشف الطبي المتخصص، باستخدام الفحص السرير بالغ الدقة، بعد أن يقوم الطبيب بتحليل شكوى مريضته ومراجعة تاريخها المرضي، أما ما يقطع الشك باليقين في نهاية الأمر، هو إجراء الفحوصات بواسطة المنظار الطبي، وكذا بتحليل مجموعة العيانات، التي يتم سحبها من المواضع المحتمل إصابتها، لكن في المطلق حدد الأطباء مجموعة من الأعراض الأولية، والتي توافرها يدفع إلى الشك في الإصابة بـ بطانة الرحم المهاجرة ،والتي يمكن للمرأة أن تلاحظها بنفسها خاصة إذا اتسمت بالتكرار، وتتمثل هذه الأعراض الأولية في الآتي:
أ- الألم :
العرض الأساسي الذي يرافق النسبة الكاسحة من المشكلات الصحية، هو الشعور بألم يتفاوت في شدته باختلاف المرض، أما الألم الذي يصاحب بطانة الرحم المهاجرة ، يمكن أن يتم تمييزه عن غيره من خلال عاملين رئيسيين، هما:
- توقيت الألم : الألم الذي يأتي مصاحباً لإصابة بطانة الرحم المهاجرة ،يشتد بنسبة كبيرة خلال فترة الدورة الشهرية للمرأة.
- موضع الألم : هناك العديد من أمراض النساء تصيبهم أثناء مرورهن بالدورة، ولكن ألم بطانة الرحم المهاجرة ،يكون شاملاً لكامل محيط منطقة الحوض.
فإذا توافرا هذين العاملين مجتمعين، ازدادت احتمالات أن يكون هذا الألم مؤشراً للإصابة، ويلزم معه توقيع الكشف الطبي للتعرف على حقيقته، واكتشاف الإصابة بـ بطانة الرحم المهاجرة من عدمه.
ب- انتفاخ البطن :
نتيجة للتعرض إلى حالة بطانة الرحم المهاجرة ،يحدث ضغط على الجدار الداخلي لمعدة المرأة، قد لا يكون ذلك الضغط ملحوظاً ظاهرياً، كما هو حال مع الحمل مثلاً، إلا أن الأمر يقتصر على مجرد الشعور بالانتفاخ وعدم الارتياح، ودوام ذلك الشعور بانتفاخ المعدة لفترات طويلة، يحتمل معه أن يكون ناتج عن التعرض لهجرة بطانة الرحم.
جـ- اضطرابات الدورة الشهرية :
الدورة الشهرية لدى النساء ما هي إلا سلسلة مرتطبة، عبارة عن خطوات فسيولوجية وحيوية تجرى داخل جسم المرأة، وإصابة أي من أعضاء المرأة بخلل، ينتج عنه بطبيعة الحال إصابة تلك المنظومة المترابطة بخلل عام، ومن ثم تعد اضطرابات الدورة الشهرية أحد المؤشرات، ومن أقوى الدلائل على التعرض لـ بطانة الرحم المهاجرة ،خاصة إذا اقترن ذلك بإفرازها لكثير من الدماء خلال مرورها بتلك المرحلة.
د- كثرة الإفرازات :
هذا العرض هو صورة أخرى للخلل العام، الذي يأتي مترتباً على حدوث الإصابة بـ بطانة الرحم المهاجرة، وهو يعد من الأعراض القوية الدالة على حدوث الإصابة، ويتمثل في ملاحظة وجود إفرازات مهبلية ما بين الدورتين الشهريتين، ويتميز الإفراز الذي ينتجه الجسم عند تعرضه لتلك الحالة، بإن لونه يكون مزيجاً بين اللونين الأبيض والأصفر.
هـ- الآلام المرتبطة بمسببات خارجية :
بخلاف نوع الألم الأساسي المرافق لـ بطانة الرحم المهاجرة ،والذي ذكرنا سلفاً كيفية تمييزه من خلال الموضع والتوقيت، هناك أنواع أخرى من الألم، تتعرض لها المرأة عند إصابتها بـ بطانة الرحم المهاجرة ،إلا أن هذه الآلام لا تكون دائمة، بل إنها تأتي مصاحبة لمجموعة من العمليات الفسيولوجية، والتي تشكل هذه الإصابة عائقاً أمام حدوثها بشكل طبيعي، ومن ثم ينتج الشعور بالألم عند القيام بها، وهذه الآلام هي :
- ألم التبول : عند قيام المرأة المصابة بعملية إخراج البول، فإنها تشعر بآلام حادة في منطقة أسفل الحوض، كما إنها من الممكن أن تتعرض لحالة من احتباس البول، وتجد صعوبة في إخراجه من الجسم عند التبول.
- ألم الإخراج : عند قيام المصابة بـ بطانة الرحم المهاجرة بعملية الإخراج، فعادة ما تأتي مصحوبة لألم شديد في منطقة البطن، يشابه بنسبة كبيرة الألم الذي ينتج عن التعرض لاضطرابات الهضم، إلا أنه يكون أكثر حِدة وقسوة.
- ألم الجماع : ممارسة العلاقة الحميمة أمر مؤرق بالنسبة للمصابات أيضاً، إذ أن بطانة الرحم المهاجرة تقف عائقاً أمام القيام بالعملية الجنسية، مما يُشعر المرأة بألم داخلي شديد عند ممارسة الجنس.
و- الخمول والإرهاق :
هو من الأعراض التي قد يرى البعض إنها عامة، ولا يمكن الاعتداد بها باعتبارها ترافق أغلب الحالات المرضية، علاوة على إن قد يكون منشأه، مجرد بذل مزيد من المجهود أو المرور ببعض الضغوط العابرة، وهذا صحيح بنسبة كبيرة، لكن بالنسبة للإرهاق الناجم عن بطانة الرحم المهاجرة ،فإنه يستمر لفترات طويلة تتجاوز بضعة أسابيع، كما أنه يكون شديد للدرجة التي تعوق ممارسة الحياة اليومية الطبيعية، وتزداد قوته كعامل دال على الإصابة بـ بطانة الرحم المهاجرة ،إذا جاء مصحوباً بواحد أو أكثر من الأعراض سالفة الذكر.
ل- الاكتئاب :
من المعروف أن المرأة دائمة الإصابة بداء الاكتئاب، وذلك الاكتئاب الذي يصيبها يمكن وصفه بالموسمي، فهناك اكتئاب الحمل واكتئاب آخر يرافق حدوث الدورة الشهرية، ففي كل الأحوال يحدث اضطراب هرموني داخلي لدى النساء، نتيجة التعرض له تتأثر الحالة المزاجية لهن، والأمر نفسه يحدث عند الإصابة بـ بطانة الرحم المهاجرة ،ومن ثم يصبح الاكتئاب من الأمور الدالة على الإصابة، ولكنه يعامل معاملة الشعور بالخمول والإرهاق، أي أنه لا يعتد به كعرض لـ بطانة الرحم المهاجرة ،إلا إذا جاء مقترناً بواحد أو أكثر من الأعراض الدالة الأخرى.
ثانياً : خطورة بطانة الرحم المهاجرة :
الخطورة التي تمثلها بطانة الرحم المهاجرة كحالة مرضية، يمكننا استنباطها من خلال مطالعة الأعراض سالفة الذكر، فهي إصابة قاسية ومزعجة ومسببة لكثير من الألم، لكن الخطورة الحقيقية لهذه المشكلة لا تمكن في شئ من هذا، بل إنها تتمثل في إعاقته لحدوث الحمل، والذي لا يمكن أن يتم إلا بعد علاج بطانة الرحم المهاجرة ،وإعادة الرحم إلى الشكل والتكوين الطبيعيين، وذلك لأن بطانة الرحم المهاجرة تؤدي لحدوث التصافات بالحوض، الأمر الذي يمنع إفراز بعض الهرمونات المحفزة لعمليتي التبويض والحمل، كما أن هذا الالتصاق قد يعيق عملية انغراس البويضة حال تخصيبها.
ثالثاً : علاج بطانة الرحم المهاجرة :
علاج بطانة الرحم المهاجرة لم يعد من الأمور العسيرة، فقد تمكن العلماء من التوصل للعديد من طرق العلاج له، إلا أن هذا التنوع لا يعني إن الأمر اختياري، بل إنه يختلف باختلاف طبيعة الحالة ومدى تدهورها، وبشكل عام يلجأ الطبيب عادة إلى استخدام الهرمونات المثبطة، التي تؤدي إلى إيقاف وظائف المبيض، وبذلك يمكنه السيطرة على نمو بطانة الرحم المهاجرة ،كذلك بعض وسائل منع الحمل وخاصة الحبوب، تستخدم للحد من نمو الأنسجة المهاجرة داخل الرحم، ويمكن الاعتماد على هذه الوسيلة وحدها، ولكن في الحالات التي لا تكون المرأة فيها راغبة في الإنجاب.. أما الحل الأخير والذي صار مؤخراً الأكثر شيوعاً، هو اللجوء إلى إجراء جراحة ببطانة الرحم، ليتم خلالها استئصال أنسجة بطانة الرحم المهاجرة الزائدة ،مع الحفاظ على سلامة المبيضين والرحم، وبالتالي الحفاظ على فرصة حدوث الحمل في وقت لاحق، وهذه الجراحة صارت من الجراحات البسيطة التي تجرى بالمنظار الطبي.