كذب الأطفال من أكثر المشاكل التي تؤرق الآباء، فبينما يسعون إلى تنشأة طفلهما تنشأة أخلاقية، يفاجئون بهذا السلوك المشين يصدر عنه، وحينها ترتبك الأفكار فيكون رد الفعل المضاد غير محسوب، وقد يكون ذلك سبباً في تفاقم المشكلة.. لكن تعديل السلوك خاصة بالنسبة للأطفال ليس بالأمر المستحيل، إذا فهمنا الأسباب واتبعنا نصائح خبراء النفس.
أسباب ودوافع كذب الأطفال :
الأسباب التي تقود الطفل إلى اختلاق الأكاذيب تنقسم إلى نوعين رئيسيين، النوع الأول هو الأسباب البسيطة والثاني الأسباب المُركبة:
أولاً الأسباب البسيطة :
- 1- رهبة العقاب : هو الدافع الأكثر شيوعاً للكذب عند الأطفال والكبار، فأي شخص يخشى الاعتراف بما اقترفه من أخطاء أمام من لهم سلطة عليه، ولأن الأبوين هما أصحاب السلطة على الطفل فكذبه عليهم وارد، فلا تتوقع من طفلك أن يأتي إليك ليعترف بأنه قد حطم أواني الزهر، وقد يلصق التهمة بأخيه أو بالحيوان الأليف الموجود.. كذب الأطفال في حالات كهذه أمر غريزي طبيعي، لا يدعو إلى القلق ولا يصنف الطفل كمريض بداء الكذب.
- 2- الضغوط : كذب الأطفال في نظرنا سلوك ذميم، لكن في نظرهم قد يكون مجرد وسيلة دفاع.. فحين يتم تكليف الطفل بمهام تفوق طاقته فأمامه حلاً من اثنين، إما أن يعترف بالفشل أو أن يلجأ إلى الكذب، وتتضاعف احتمالية اللجوء للكذب إذا كان الأبوين عنيفين في معاقبته دائماً، فهو في هذه الحالة لا يخشى الاعتراف بالفشل بقدر ما يخشى العقاب إذا اعترف، فتجده مثلاً يدعى كذباً أنه أنهى واجباته المدرسية، بينما هو في الحقيقة تخوف من مصارحة الأبوين بأنه لم يستطع إنجازها.
- 3- جذب الانتباه : كونه طفلاً هذا لا يعني أنه لا شيء، وللآسف بعض الآباء يقيمون علاقتهم مع الأطفال على ذلك الأساس، لا يشركونه ولا يشاركونه بدعوى أنه مازال صغيراً ولا يفقه شيء، لكن الحقيقة أن هذا الأسلوب يُشعر الطفل بأنه نكرة ومُهمل، فلا تنزعج حين تجده يقحم نفسه في الحديث الدائر بينك وبين العائلة، ويبدأ في سرد وقائع خيالية مستحيلة الحدوث، كذب الأطفال هنا ما هو إلا وسيلة لجذب الانتباه إليه تعويضاً لذاته عن افتقاره لاهتمام الآخرين.
- 4- الطبيعة الصبيانية : الطفل بطبيعته لا يقدر المسئوليات حق تقديرها، ودائم الانجراف وراء الأهواء، وقد يدفعه ذلك إلى الكذب في محاولة منه للتملص من مسئولياته، كتعلله بالمرض مثلاً كي يتغيب عن المدرسة.
– تسمية الأسباب السابقة بالبسيطة لا يعني الاستهانة بها، وإنما يقصد أنها ناتجة عن دوافع طبيعية، ومن ثم يمكن إصلاحها بالنقاش والتوعية والتوجيه.
ثانياً: الأسباب المُركبة:
أسباب كذب الأطفال الموصوفة بالمركبة، هي تلك الأسباب التي تحتمل أحد احتمالين، إما أن تكون ناتجة عن خلل نفسي أو إنها تقود إليه ومنها:
- 1- فقد المعيارية : أثبتت الدراسات النفسية أن النسبة الأكبر من كذب الأطفال منشؤها أساليب التربية، فالأب والأم هما قدوة الطفل المباشرة، يكتسب منهما الخبرات وتنعكس عليه سلوكياتهما، فنجد أحياناً أحدهما يدفع طفله دفعاً إلى الكذب، كأن يتصرف الأب تصرفاً ما ويأمر طفله بأن يقول العكس إذا سألته جدته أو أمه، وحين يكذب الطفل يجد رد فعل عنيف من جانب الأب، وهنا يبدأ الاضطراب وتختلط المفاهيم عليه، ويجد صعوبة في التفرقة بين الحميد والذميم، وقد يتعدى الأمر حدود الكذب ويؤثر على سلوكه عموماً، ويفقد المعيارية بشكل كام فيتحول إلى نسخة مُجسدة لمقولة الغاية تبرر الوسيلة.
- 2- نزعة انتقامية : إذا كان كذب الأطفال ناتج عن ذلك الدافع فنحن -بكل المقاييس- إذاء كارثة، فالطفل ضعيف في مواجهة أبويه ولا يملك عليهما سلطة، وهو يدرك أن سلوكياته السيئة تتسبب لهما في الاضطراب والإزعاج، ومن هذا المنطلق يمكن أن يتبع ذلك السلوك كنوع من الانتقام، والدراسات النفسية التي تناولت تلك الحالات، أكدت أن أكثر الأطفال المُحتمل اتباعهم لهذا السلوك، يكونوا ممن لديهم شعور بالاستحقار والظلم من الآباء، وهنا تكون العلاقة الرابطة بينه وبين أبوية بالكامل تحتاج إلى التقوييم والإصلاح.
- 3- تخيلات الصبا : كذب الأطفال قبل سن الخامسة غالباً ما يكون ناشئاً عن ذلك السبب، فهو في هذه المرحلة تختلط عليه الأمور الواقعية بما يدور في رأسه من خيالات، ومن الوارد أن يطرح تلك الخيالات علانية بعد أن يصبغها بصبغة الواقع، أما التمادي في تلك الأكاذيب بعد ذلك السن يدق ناقوس الخطر، فهذا النوع من الكذب أساساً يكون مبعثه الخلط بين الخيال والواقع، وقد يكون بداية محاولة لإشباع الدوافع الواقعية بالتخيل، وهي الحالة المعروفة اصطلاحاً بـ”أحلام اليقظة”.
علاج كذب الأطفال :
كذب الأطفال أولاً وأخيراً مجرد سلوك، وتعديل السلوك بالنسبة للأطفال خصيصاً ليس أمراً معقداً، فقد يحتاج إلى الصبر واتباع بعض الإجراءات التقويمية العلاجية، التي وردت بنتائج دراسات خبراء الطب النفسي.
- 1- السبب : الخطوة الأولى نحو إصلاح أي مشكلة هي الوقوف على حقيقة أسبابها، فحين يكتشف الآباء كذب الطفل لن يفيدهم الغضب أو معاقبة الطفل، وإنما يجب التوقف وطرح السؤال بهدوء: لماذا كذب؟.. وإجابة هذا السؤال هي ما تحدد طريقة تقوييم السلوك، فالقضاء على المُسبب سيؤدي بالضرورة إلى تفادي النتيجة، كما أن كذب الأطفال قد يكون ناتجاً عن سوء بالتربية، وحينها يكون سلوك الأبوين هو ما يحتاج إلى تعديل وتقوييم.
- 2- عقاب مناسب : لابد من اتخاذ موقف عقابي تجاه كذب الأطفال ،ولكن العقاب في كل الحلات لا يجب أن يكون نفسي مهين ولا بندي مؤذ، فحرمانه من التنزه في يوم العطلة مثلاً عقاب كافي، ويجب هنا على الأبوين ألا يتجادلا بشأن العقاب أمام الطفل، وألا يتراجع أحدهما عن تنفيذه أمام اعتذاراته.
- 3- التحفيز : الأطفال دائمي التمرد والعِناد مهم لا يجدي نفعاً في كل الأحيان، لذلك تكون المُعاقبة فقط لتنبيه الطفل إلى الخطأ الذي ارتكبه، أما بالنسبة تعديل السلوك فالتحفيز له التأثير الأقوى.. بدلاً من تتوعده بالعقاب إذا كذب أوعده بما يحب إذا صدق، والمهم هنا هو أن تلتزم بوعدك إذا التزم هو بإحسان التصرف، وإلا ستكون في نظره كاذباً ولن يقبل منك نصيحة تخص هذا الأمر، لهذا لا تفرط في الوعود وأجعلها متناسبة مع طاقاتك لتستطيع الوفاء بها.
- 4- الحزم : كي تقضي على كذب الأطفال يجب أن تكون حازماً في التعامل معه الكاذب، فلا تدع الأمر يمر مرور الكرام بدعوى إنه هفوة لن تتكرر، خاصة مع الطفل الذي تعدى سن السادسة، ولا يُقصد بالحزم معاقبته بالضرب أو السُباب، وإنما مواجهته وإعلامه بأن أمر كذبته قد انكشف، شعور الخجل من ذاته الذي سينتابه قد يكون دافعاً لعدم العودة لذلك السلوك، ولكن يجب أن يتم ذلك في سرية وبعيداً عن أنظار الآخرين، وإلا أنقلب الحزم إلى فضيحة بالنسبة للطفل، قد تتسبب له في مشاكل نفسية أخرى أكثر تعقيداً.
- 5- الحوار : المشاكل السلوكية جميعها يمكن أن تتم معالجتها بالحوار، كن صديقاً له وتقرب إليه، فهذا له عظيم الآثر على الصحة النفسية للطفل عموماً، وبالنسبة لتعديل سلوكه فهو السبيل الأكثر فاعلية.. من خلال الحوار ستكون قادراً على توعيته وتوجيهه، وإفهامه لحقيقة العواقب التي ستترتب على هذا السلوك، كما يجب أن يتضمن الحوار خطاباً دينياً ينمي الوازع الديني لديه.