العلاج بالموسيقى : تاريخه وتأثيره وآخر دراسة تناولته

العلاج بالموسيقى بالنسبة للأمراض النفسية والعصبية ليس أمر مستحدث، ربما تطور كثيراً عما كان عليه في السابق، لكنه كان معروفاً بالنسبة للحضارات السالفة، ولعل استمرار العمل به حتى اليوم خير دليل على فاعليته.

 تاريخ العلاج بالموسيقى وكيفية تأثيره:

رغم تطور الطب واكتشاف العلاجات الكيميائية لم تتزعزع مكانة العلاج بالموسيقى ، فما تاريخ ذلك العلاج المدهش؟، وكيف يُحدث التأثير؟، وترى ما النتائج التي جاءت بها آخر الدراسات حوله؟

 مراحل العلاج بالموسيقى التاريخية :

الأغلبية يرجعون الفضل في ظهور أسلوب العلاج بالموسيقى إلى الغرب، وصحيح أن الغرب هو أول من قام باعتماد هذا الأسلوب كوسيلة علاجية، لكن لابد من الإشارة إلى أن العلماء العرب القدامى استبقوهم إليه، وإن لم يطبقوه بالأساليب الحالية إلا أنهم عرفوه وتحدثوا عنه بل..

ومن هؤلاء العلماء العرب الذين أشادوا بـ العلاج بالموسيقى وعددوا فوائده أبو بكر الرازي، وقال بأنه فعال في علاج مرض الماليخوليه “المزاج السوداوي”، الذي تتشابه أعراضه بنسبة كبيرة مع أعراض الاكتئاب الشديد. أيضاً كان للعالم إسحاق الكندي وقفة مع العلاج بالموسيقي ،وقال أن كل نغمة أو إيقاع ووتر له تأثير على جزء ما من جسم الإنسان.

بعد الكارثة البشرية المعروفة تاريخياً بالحرب العالمية الثانية (1939م -1945م)، لاحظ الأطباء العاملون بالمستشفيات التي تعالج الجنود الجرحى، أن حالتهم المعنوية ارتفعت وتفعالوا مع الموسيقى عند عزفها لهم للترفيه، وهذه الصدفة كانت بداية التفكير في الموسيقى العلاجية، وتولى فريق بحثي من جامعة ميتشيجن الأمريكية دراسة العلاج بالموسيقى ،وشهد عام 1944م وضع أول نظام للعلاج بهذا الأسلوب بنفس الجامعة، ثم في عام 1998م تم تأسيس الجمعية الأمريكية لـ العلاج بالموسيقى .

العلاج النفسي بالموسيقى لم يتأخر الاعتراب العربي الرسمي به كثيراً، وأول مركز متخصص في العلاج بالموسيقى تم افتتاحه في مصر عام 1950م، وتم تأسيس جمعية طبية خاصة به تحت عنوان الجمعية الوطنية لـ” العلاج بالموسيقى “، وفي العام نفسه اتخذت تونس نفس الخطوة، بإدراج العلاج بالموسيقى ضمن أنشطة المعهد الوطني لحماية الطفولة، ثم كان التوسع على يد الأردن بإقامة مركز الشرق الأوسط لـ” العلاج بالموسيقى “.

 كيف يؤثر العلاج بالموسيقى :

كيف يمكن أن يكون للموسيقى تأثير على العقل والحالة النفسية؟!.. الإجابة بسيطة وبعيداً عن الخوض في مصطلحات طبية معقدة، فلابد أنك سمعت بمؤخراً بالشر المستشري المسمى المخدرات الرقمية، وكيف يمكن لمقطع موسيقي أن يكون له نفس تأثير ومخاطر الهرويين، لدرجة أنه قد يؤدي لإحداث خلل بالعقل والوفاة، ويمكن القول بأن هذه هي وجه العملة السيء لتأثير الموسيقى على النفس والمخ.

فقد توصل العلماء من خلال التجاربة الأولية لفاعلية العلاج بالموسيقى ،إلى أن وقع النغمات وشدة الذبذبات تؤدي إلى إفراز مواد معينة داخل المخ، وهذه المواد تتشابه في تركيباتها وتأثيراتها مع عقار الموروفين، كما أن الموسيقى لها قدرة على زيادة إفراز الأندورفينات، وهي مجموعة الإفرازات التي تتحكم في درجة الشعور بالألم والمتعة، وكذا تساهم في إخراج الانفعالات وتتحكم في شدتها، وبالتالي إذا أمكن التحكم في نوع ودرجة ذبذبات الموسيقى المُدخلة إلى المخ، فيصبح يسيراً التحكم في إفرازاته بالزيادة والنقصان، ومن ثم التحكم في الحالة النفسية والمزاجية وتحسينها.

والخلاصة أن علم العلاج بالموسيقى من العلوم القائمة على أساس علم الأعصاب، واسمه العلمي التفصيلي ” العلاج بالموسيقى العصبية”، ويهتم بدراسة التغيرات الناتجة بوظائف المخ، والتي تنعكس بشكل مباشر على السلوك الإنساني، ومدى تأثرها واستجابتها للمؤثر الصوتي الخارجي “الموسيقى”.

 آخر الدراسات حول العلاج بالموسيقى :

في إطار الدراسات المقامو حول فاعلية العلاج بالموسيقى ،قام مؤخراً الباحثون بجامعة بلفست بمراقبة 251 من الأطفال والمراهقين، وتم تقسيمهم إلى مجموعتين، الأولى تلقت الرعاية الطبية النفسية التقليدية، والثانية تم إخضاعهم لبرنامج العلاج بالموسيقى ..والنتيجة أن حالات المجموعة الثانية المُعالجة بالموسيقى، تحسنت حالتهم في زمن قياسي بمقارنة بالمجموعة المُناظرة لهم، مما يجعل هذه الدراسة إثبات جديد على قدرة العلاج بالموسيقى الفائقة، في معالجة الاكتئاب والمشكلات العاطفية والسلوكية لدى الأطفال والمراهقين.