السل … الخطر المقيت : سلالات السل الجديدة وصعوبة التشخيص

يرتبط اسم مرض السل “الدرن” في أذهان أغلب الناس بهذا المرض العنيف الذي يردي المريض كسيحا بلا حراك , غير قادر على التنفس, ويرتبط في أذهانهم بانتشاره في البلاد الاشد فقرا والتي تعاني من الجهل وضعف الرعاية الصحية للدرجة التي لا تستطيع هذه المجتمعات من انقاذ مرضاها بشكل سريع وبالتالي ينتشر المرض أكثر وأكثر. يصل تصور البعض أن مرض السل الرئوي انحسر تماما من بلادهم التي ازدادت تطورا وتحضرا.

سلالات السل الجديدة

مالا يعرفه أغلب الناس أن هناك نوعا جديدا من السل شديد المقاومة للأدوية والمضادات الحيوية، ويصعب علاجه، هذا بالإضافة إلى المصاريف المكلفة التي يتطلبها العلاج منه. في بداية الألفية الجديدة كانت العالمة الألمانية Daria Oshert تعتني بمدمني المخدرات في أحدي مدن ليتوانيا بشرق أوروبا. لم تكن أبحاثها تتصل أصلا بمرض السل, ولكنها توصلت إلى ملاحظة غريبة وخطيرة وهي أن مدمني المخدرات الذين كانت تبحث في حالاتهم, يموتون في شرق أوروبا بسبب جرعة زائدة من المخدر، أو يقدمون على الانتحار. غير أنه قبل سنتين بدأت الأمور تتغير، وصار داء السل هو سبب الموت الرئيسي، وفي الغالب السل المميت هذا نوع جديد يقاوم المضادات الحيوية بشكل غريب وليس كسابقه الذي يستجيب لجرعات المضادات الحيوية.

احصاءات منظمة الصحة العالمية

تقدر منظمة الصحة العالمية عدد مرضى السل المتعدد المقاومة الجديد بأكثر من 400 ألف مريض وقابل جدا للزيادة وخاصة في البلاد التي تعاني جهلا بطرق التشخيص والكشف الحديث. في أوروبا تعتبر المناطق التابعة للاتحاد السوفيتي السابق هي أكثر أماكن انتشار المرض وهي الدول التي تقع الان في أقصي شرق أوروبا وغرب أسيا. وبحسب ما ذكرته منظمة الصحة العالمية يعيش في هذه المناطق حوالي 80 ألف مصاب بمرض السل المتعدد المقاومة، أي تقريبا خُمس الأشخاص المصابين بهذا الداء في العالم. وفي المجموع هناك 15 دولة تعتبر منطقة خطر بالنسبة لهذا الداء، من بينها روسيا وأوكرانيا، وروسيا البيضاء، وبلغاريا، ومولدوفا، ودول البلطيق (السويد, النرويج). وينعكس وضع هذه الدول حتى على ألمانيا، كما تقول باربارا هاور، الخبيرة في الأمراض المعدية من معهد روبرت كوخ:” يجب أن ننتظر لنرى كيف يمكن أن تؤثر التطورات في هذه البلدان على المدى البعيد على ألمانيا”. غير أن نسب الإصابة بالسل في ألمانيا تبقى منخفضة حتى الأن بالمقارنة مع الدول الأوروبية الأخرى.

صعوبة تشخيص وعلاج السل المتعدد المقاومة

يعالج مريض السل في العادة بواسطة 4-5 أنواع مختلفة من المضادات الحيوية واسعة المجال لمدة تستمر من ستة شهور حتى سنة. ويبدأ المرض في مقاومة المضادات الحيوية عندما لا يأخذ المريض الدواء باستمرار وانتظام أوعندما يوقف العلاج بنفسه دون استشارة الطبيب. وعندما يتحول السل إلى مرض متعدد المقاومة، يصير من اللازم على المريض تناول 17 قرصا علاجيا يوميا، مع إمكانية وجود آثار جانبية كالصمم، وتتضاءل فرص الشفاء، بالإضافة إلى المصاريف المالية المرهقة للدولة والأسر، التي قد تتضاعف مئات المرات بالمقارنة بعلاج داء السل العادي.

ماذا لو أهمل المريض العلاج؟

في حالة عدم علاج المرض واهمال الدولة والناس لتشخيصه وعلاجه، فإن المريض يصير مهددا بتكون مسببات لمقاومة السل أكثر شراسة. لذلك ينبغي أن تكون هناك حالة من الاهتمام بمواجهة المرض ، وذلك ينطبق سواء على المرضى المصابين أو المرضى الذين من المحتمل أن يصابوا بالداء. ويقول دادو الخبير بمنظمة الصحة العالمية:” عدد المصابين بمرض السل المتعدد المقاومة يظل في مستوى منخفض جدا، لكن عندما لا نكتشف المصابين نكون بذلك قد عرضنا أشخاصا آخرين للعدوى”. ويتابع:” ينبغي علىنا الاستثمار أكثر في تقنيات تشخيص المرض في الدول المهددة بالمرض”.

تأثير العامل الاجتماعي في مرض السل متعدد المقاومة

تلعب العوامل الاجتماعية دورا هاما في عدم استعداد البعض لتقبل هذا المرض. حيث يجد مرضى فقدان المناعة المكتسبة “الإيدز”، أو السجناء، أو مدمني المخدرات صعوبة في تقبل المجتمع لهم, ولذلك يخشي البعض التصريح بمعاناته حتى لا يعاني العزلة مثل الأخرين الذين ماتوا وهم أحياء. وكما تقول داريا أوشرت.”تقريبا كل من توفي بمرض السل كان إما مصابا بالإيدز أو مدمنا على المخدرات” وهنا تظهر الأسباب بوضوح لعدم علاج هؤلاء المرضى فالمخدرات غير قانونية، والمدمنون يشعرون بالخوف، من أن يسجنوا، وبالتالي يتحاشون أي اتصال بالأطباء. وحتى عندما يذهبون إلى المستشفى، سيعني ذلك العيش لمدة ستة أشهر بدون مخدرات فالفكرة مرفوضة. والنتيجة كما تقول داريا:” يهرب الكثير من هؤلاء أو يتم طردهم، فيلجأون إلى المخدرات”.الحل في نظر داريا اورشرت هو المزاوجة بين علاج للسل وللإدمان معا.